كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

وَهُوَ كَالرُّشْدِ ضِدَّ الْغَيِّ وَمِنْ أَعْظَمِ طُرُقِهِ وَأَفْضَلِهَا التَّفَقُّهُ فَلِذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ (الْمُوَفِّقِ) أَيْ الْمُقَدِّرِ وَهُوَ جَرْيٌ عَلَى مَنْ يُجِيزُ غَيْرَ التَّوْقِيفِيَّةِ إذَا لَوْ يُوهِمُ نَقْصًا

(لِلتَّفَقُّهِ) أَيْ التَّفَهُّمِ وَأَخْذِ الْفِقْهِ تَدْرِيجًا وَهُوَ أَعْنِي الْفِقْهَ لُغَةً الْفَهْمُ مِنْ فَقِهَ بِكَسْرِ عَيْنِهِ فَإِنْ صَارَ الْفِقْهُ سَجِيَّةً لَهُ قِيلَ فَقُهَ بِضَمِّهَا، وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ النَّاشِئَةِ عَنْ الِاجْتِهَادِ وَمَوْضُوعُهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ تَعَاوُرُ تِلْكَ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ وَاسْتِمْدَادُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالِاسْتِصْحَابِ وَمَسَائِلِهِ كُلُّ مَطْلُوبٍ خَبَرِيٌّ يُبَرْهَنُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَفَائِدَتُهُ امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي وَغَايَتُهُ انْتِظَامُ أَمْرِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ مَعَ الْفَوْزِ بِكُلِّ خَيْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ (فِي الدِّينِ) وَهُوَ عُرْفًا وَضْعٌ إلَهِيٌّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الْإِطْنَابِ وَلَا يُعَابُ فِيهِ بِتَكَرُّرِ نَحْوِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ (قَوْلُهُ كَالرُّشْدِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ بِفَتْحِهِمَا نِهَايَةٌ وَمُغْنِي.
(قَوْلُهُ ضِدُّ الْغَيِّ) وَهُوَ الْهُدَى وَالِاسْتِقَامَةُ وَهِدَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى تَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا لَا يُحْصِيهَا عَدٌّ لَكِنَّهَا تَنْحَصِرُ فِي أَجْنَاسٍ مُتَرَتِّبَةٍ الْأَوَّلُ إفَاضَةُ الْقُوَى الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ الِاهْتِدَاءِ إلَى مَصَالِحِهِ كَالْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ وَالثَّانِي نَصْبُ الدَّلَائِلِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ، وَالثَّالِثُ الْهِدَايَةُ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يَكْشِفَ عَلَى قُلُوبِهِمْ السَّرَائِرَ وَيُرِيَهُمْ الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ بِالْوَحْيِ أَوْ الْإِلْهَامِ أَوْ الْمَنَامَاتِ الصَّادِقَةِ وَهَذَا قِسْمٌ يَخْتَصُّ بِنَيْلِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ نِهَايَةٌ قَالَ الرَّشِيدِيُّ لَا يَظْهَرُ تَرَتُّبُ الرَّابِعِ عَلَى مَا قُبَيْلَهُ؛ لِأَنَّهُ قِسْمٌ بِرَأْسِهِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ تَرَتُّبُهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّ قَوْلَهُ مُتَرَتِّبَةً أَيْ فِي الْجُمْلَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَعْقَبَهُ) كَذَا فِي النُّسْخَةِ الْمُقَابِلَةِ عَلَى أَصْلِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِرَارًا مِنْ التَّعْقِيبِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَعْقَبَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَلَعَلَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النَّاسِخِ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُقَدَّرُ) مِنْ الْأَقْدَارِ بِمَعْنَى خَلْقِ الْقُدْرَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ إطْلَاقُ الْمُوَفِّقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ إلَخْ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ تُوهِمْ) أَيْ الصِّفَةُ الْغَيْرُ التَّوْقِيفِيَّةِ

(قَوْلُهُ وَأَخْذِ الْفِقْهِ إلَخْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِلتَّفَهُّمِ إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّفَقُّهَ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى مُطْلَقِ التَّفَهُّمِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا التَّفَهُّمُ الْمُتَعَلِّقُ بِخُصُوصِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى الْمُوَفِّقَ لِتَحْصِيلِ عِلْمِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كُرْدِيٌّ بِزِيَادَةِ إيضَاحٍ أَيْ فَيَنْدَفِعُ بِهِ مَا لسم هُنَا (قَوْلُهُ وَهُوَ) إلَى قَوْلِهِ وَاسْتِمْدَادُهُ فِي النِّهَايَةِ وَإِلَى الْمَتْنِ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ مِنْ فِقْهٍ إلَى وَاصْطِلَاحًا وَقَوْلُهُ وَمَسَائِلُهُ إلَى وَغَايَتِهِ (قَوْلُهُ بِكَسْرِ عَيْنِهِ) كَفَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحًا نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ قِيلَ فَقُهَ بِضَمِّهَا) وَإِذَا سَبَقَ غَيْرَهُ إلَى الْفَهْمِ يُقَالُ فَقَهَ بِالْفَتْحِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ إلَخْ) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَامِلٌ لِعِلْمِ الْمُقَلِّدِ بِالْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِقْهًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْأُصُولِ فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ النَّاشِئِ لِيَكُونَ صِفَةً لِلْعِلْمِ بَدَلَ النَّاشِئَةِ الْوَاقِعِ صِفَةَ الْأَحْكَامِ خَرَجَ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يُطْلِقُونَ الْفِقْهَ عَلَى مَا يَشْمَلُ عِلْمَ الْمُقَلَّدِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم وَأَبْدَلَ النِّهَايَةُ وَالْمُغْنِي عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ النَّاشِئَةِ إلَخْ بِالْمُكْتَسَبِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ اهـ.
وَلَك أَنْ تُجِيبَ عَنْ الشَّارِحِ بِمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ مِنْ أَنْ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ مُشْعِرٌ بِعَلِيَّةِ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ مِنْ حَيْثُ نَشْأَتُهَا عَنْ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ الْعَمَلِيَّةِ) أَيْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالنِّيَّةِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ مَا يَشْمَلُ عَمَلَ الْقَلْبِ ع ش (قَوْلُهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِقَوْلِهِ بَلْ وَنِيَّتِهِ وَاعْتِقَادِهِ سم (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ تَعَاوُرُ تِلْكَ الْأَحْكَامِ) أَيْ عُرُوضِهَا مُغْنِي قَوْلُ الْمَتْنِ (فِي الدِّينِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّفَقُّهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ التَّفَهُّمِ لَا كَمَا يَقْتَضِيهِ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ الْفِقْهَ مِنْ الدِّينِ سم أَيْ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمَحَلِّيُّ وَالْمُغْنِي عَلَى التَّفْسِيرِ بِالتَّفَهُّمِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) إلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا لَفْظَةَ عُرْفًا وَمَا أُنَبِّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَضْعٌ إلَهِيٌّ إلَخْ) عِبَارَةُ السَّيِّدِ فِي حَوَاشِي الْعَضُدِ.
وَأَمَّا الدِّينُ فَهُوَ وَضْعٌ إلَهِيٌّ سَائِقٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــSإلَخْ) إنْ كَانَ هَذَا التَّفْرِيعُ أَيْضًا عَلَى الْأَوَّلِ الشَّامِلِ لِمَا إذَا كَانَتْ النِّعْمَةُ غَيْرَ الْمُبْتَدَأَةِ بَلْ فِي مُقَابَلَةِ مَا يُوجِبُهَا فَالْمُرَادُ بِالْمُوجِبِ حِينَئِذٍ الْمُقْتَضِي بِقَضِيَّةِ الْفَضْلِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ إذْ لَا يَجِبُ إلَخْ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِالثَّانِي أَشْكَلَ الْأَوَّلُ حِينَئِذٍ حَيْثُ اقْتَضَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحْضِ الْفَضْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ شُمُولُ الْأَوَّلِ لِغَيْرِ الْمُبْتَدَأَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مُبْتَدَأَةٌ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ أَيْضًا

(قَوْلُهُ أَيْ التَّفَهُّمُ إلَخْ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ حَمْلُ التَّفَقُّهِ عَلَى مَعْنَى تَفَهُّمِ الْفِقْهِ فَلَا يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا إذْ لَا يُتَفَهَّمُ الْفَهْمُ وَلَا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ بَلْ نَفْسُ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ إلَخْ) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَامِلٌ لِعِلْمِ الْمُقَلِّدِ بِالْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِقْهًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْأُصُولِ فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ النَّاشِئِ لِيَكُونَ صِفَةً لِلْعِلْمِ بَدَلَ النَّاشِئَةِ الْوَاقِعِ صِفَةً لِلْأَحْكَامِ لَخَرَجَ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يُطْلِقُونَ الْفِقْهَ عَلَى مَا يَشْمَلُ عِلْمَ الْمُقَلِّدِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِقَوْلِهِ بَلْ وَنِيَّتُهُ وَاعْتِقَادُهُ (قَوْلُهُ فِي الدِّينِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّفَقُّهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مُجَرَّدُ التَّفَهُّمِ كَمَا يَقْتَضِيهِ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ لِأَنَّ الْفِقْهَ مِنْ الدِّينِ (قَوْلُهُ وَهُوَ عُرْفًا وَضْعٌ إلَخْ) عِبَارَةُ السَّيِّدِ فِي حَوَاشِي الْعَضُدِ وَأَمَّا الدِّينُ فَهُوَ وَضْعٌ إلَهِيٌّ سَائِقٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودِ إلَى الْخَيْرِ بِالذَّاتِ

الصفحة 20