كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

وَبِأَنَّ التَّمَامَ يُشْعِرُ بِسَبْقِ نَقْصٍ بِخِلَافِ الْكَمَالِ، وَيُرَدُّ بِفَرْضِ تَسْلِيمِهِ بِنَحْوِ مَا قَبْلَهُ (وَأَزْكَاهُ) أَنَمَاهُ (وَأَشْمَلَهُ) أَعَمَّهُ

(وَأَشْهَدُ) أَعْلَمُ أُتِيَ بِهِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» أَيْ الْقَلِيلَةِ الْبَرَكَةِ (أَنْ لَا إلَهَ) أَيْ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ (إلَّا اللَّهُ) وَفِي نُسْخَةٍ زِيَادَةُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَوَحْدَهُ تَأْكِيدٌ لِتَوْحِيدِ الذَّاتِ وَمَا بَعْدَهُ تَأْكِيدٌ لِتَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ رَدًّا عَلَى نَحْوِ الْمُعْتَزِلَةِ (الْوَاحِدُ) فِي ذَاتِهِ فَلَا تَعَدُّدَ لَهُ بِوَجْهٍ وَصِفَاتِهِ فَلَا نَظِيرَ لَهُ بِوَجْهٍ وَأَفْعَالِهِ فَلَا شَرِيكَ لَهُ بِوَجْهٍ وَلَمَّا نَظَرَ إلَى حَقَائِقِهَا وَمَا يَلِيقُ بِهَا حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا كَانَ أَيْ كُلُّ كَائِنٍ إلَى الْأَبَدِ مَتَى دَخَلَ فِي حَيِّزٍ كَانَ لَا أَبْدَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ} [المائدة: 3] إلَخْ وَقَالَ الْكُرْدِيُّ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمُتَعَاوِرِ أَيْ فِي الْمُتَعَاوِرِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْحَمْدِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، ثُمَّ رَأَيْت قَالَ سم قَوْلُهُ فَاتَّجَهَ أَنَّهُمَا فِيهِ كَانَ الْمُرَادُ فِي الْمَذْكُورِ مِنْ الْآيَةِ اهـ فَرَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى الْآيَةِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَبِأَنَّ التَّمَامَ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّهُ إطْنَابٌ إلَخْ (قَوْلُهُ وَيُرَدُّ بِفَرْضٍ إلَخْ) فِيهِ مَا فِيهِ سم (قَوْلُهُ بِنَحْوِ مَا قَبْلَهُ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا فِي الْمَاهِيَّاتِ الْحِسِّيَّةِ كُرْدِيٌّ

قَوْلُ الْمَتْنِ (وَأَشْهَدُ) قَالَ الشِّهَابُ الْأَشْبِيطِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْخُطْبَةِ مَعْنَاهَا هُنَا أَعْلَمُ ذَلِكَ بِقَلْبِي وَأُبَيِّنُهُ بِلِسَانِي قَاصِدًا بِهِ الْإِنْشَاءَ حَالَ تَلَفُّظِهِ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَذْكَارِ وَالتَّنْزِيهَاتِ انْتَهَى اهـ سم (قَوْلُهُ أُعْلِمُ) هَلْ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ كَمَا هُوَ مُنَاسِبٌ لِمَعْنَى الشَّهَادَةِ أَوَّلًا سم عَلَى حَجّ أَقُولُ قَضِيَّةُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الشِّهَابِ الْأَشْبِيطِيِّ ضَبْطُهُ بِالضَّمِّ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَأُبَيِّنُهُ بِلِسَانِي إلَخْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَعْنَى الشَّهَادَةِ قَبْلَهُ، وَتَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ ع ش عِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ هُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْأَذَانِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَمَا هُنَا بِأَنَّ الْأَذَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ اهـ قَوْلُ الشِّهَابِ الْأَشْبِيطِيِّ الْمَارُّ بِقَلْبِي صَرِيحٌ فِي الْفَتْحِ وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُ الْبُجَيْرِمِيِّ أَيْ أَعْلَمُ وَأُذْعِنُ فَلَا يَكْفِي الْعِلْمُ مِنْ غَيْرِ إذْعَانٍ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْقَلْبِ حَقِيقَةَ مَا عَلِمَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ) أَيْ فِي الْوُجُودِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَوْلُ الْمَتْنِ (إلَّا اللَّهُ) أَيْ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ»
وَفِي الْبُخَارِيِّ قِيلَ لِوَهْبٍ أَلَيْسَ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إلَّا وَلَهُ أَسْنَانٌ فَإِنْ جِئْت بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَك أَيْ مَعَ السَّابِقِينَ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ وَذُكِرَ لِابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُ وَهْبٍ فَقَالَ صَدَقَ وَأَنَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ الْأَسْنَانِ مَا هِيَ فَذَكَرَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ مُغْنِي (قَوْلُهُ تَأْكِيدٌ لِتَوْحِيدِ الذَّاتِ) قَدْ يُقَالُ تَأْكِيدٌ لِاخْتِصَاصِ الْأُلُوهِيَّةِ بِاَللَّهِ الَّذِي أَفَادَهُ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ سم (قَوْلُهُ لِتَوْحِيدِ الذَّاتِ) أَيْ وَالصِّفَاتِ (قَوْلُهُ وَمَا بَعْدَهُ) أَيْ قَوْلُهُ لَا شَرِيكَ لَهُ (قَوْلُهُ عَلَى نَحْوِ الْمُعْتَزِلَةِ) أَيْ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَشَاعِرَةِ لَوْ صَحَّ مِنْ أَنَّهَا بِالْقُدْرَتَيْنِ أَيْ قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَقُدْرَةِ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ فَلَا تَعَدُّدَ لَهُ بِوَجْهٍ) أَيْ لَا تَعَدُّدَ اتِّصَالِ بَابٍ يَتَرَكَّبُ مِنْ أَجْزَاءٍ وَلَا تَعَدُّدَ انْفِصَالٌ بِأَنْ يَكُونَ إلَهٌ آخَرُ (قَوْلُهُ فَلَا شَرِيكَ لَهُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَحْدَةَ الشَّامِلَةَ لِوَحْدَةِ الذَّاتِ وَوَحْدَةِ الصِّفَاتِ وَوَحْدَةِ الْأَفْعَالِ تَنْفِي كُمُومًا خَمْسَةً الْكُمَّ الْمُتَّصِلَ فِي الذَّاتِ، وَهُوَ تَرَكُّبُهَا مِنْ أَجْزَاءِ وَالْكُمَّ الْمُنْفَصِلَ فِيهَا وَهُوَ تَعَدُّدُهَا بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ لَهُ ثَانٍ فَأَكْثَرُ وَهَذَانِ مَنْفِيَّانِ بِوَحْدَةِ الذَّاتِ وَالْكَمُّ الْمُتَّصِلُ فِي الصِّفَاتِ وَهُوَ تَعَدُّدُهَا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ صِفَتَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَقُدْرَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَالْكَمُّ الْمُنْفَصِلُ فِيهَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ تَعَالَى صِفَةٌ تُشْبِهُ صِفَتَهُ تَعَالَى كَأَنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ قُدْرَةٌ يُوجِدُ بِهَا وَيُعْدِمُ كَقُدْرَتِهِ تَعَالَى وَهَذَانِ مَنْفِيَّانِ بِوَحْدَةِ الصِّفَاتِ.
وَالْخَامِسُ الْكَمُّ الْمُنْفَصِلُ فِي الْأَفْعَالِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَادِ وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِوَحْدَةِ الْأَفْعَالِ أَيْ وَإِنْ كَانَ نَفْيُهُ لَازِمًا مِنْ وَحْدَةِ الصِّفَاتِ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ الْجَوْهَرَةِ وَفِي تَصْوِيرِهِ الْكَمَّ الْمُتَّصِلَ فِي الصِّفَاتِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَى حَقَائِقِهَا) أَيْ حَقَائِقِ ذَاتِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّظَرِ فِيهَا عِلْمُهَا بِكُنْهِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْأَفْعَالِ فَقَطْ (قَوْلُهُ مِمَّا كَانَ) أَيْ مِمَّا أَوْجَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ (قَوْلُهُ فِي حَيِّزِ كَانَ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمُرَادُ فِي الْمَذْكُورِ مِنْ الْآيَةِ وَقَوْلُهُ وَيُرَدُّ بِفَرْضٍ إلَخْ فِيهِ مَا فِيهِ

(قَوْلُهُ وَأَشْهَدُ) قَالَ الشِّهَابُ الْأَشْبِيطِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْخُطْبَةِ مَعْنَاهَا هُنَا أُعْلَمُ ذَلِكَ بِقَلْبِي وَأُبَيِّنُهُ بِلِسَانِي قَاصِدًا بِهِ الْإِنْشَاءَ حَالَ تَلَفُّظِهِ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَذْكَارِ وَالتَّنْزِيهَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ أُعْلِمُ) هَلْ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ كَمَا هُوَ مُنَاسِبٌ لِمَعْنَى الشَّهَادَةِ أَوَّلًا (قَوْلُهُ تَأْكِيدٌ لِتَوْحِيدِ الذَّاتِ) قَدْ يُقَالُ بَلْ هُوَ تَأْكِيدٌ لِاخْتِصَاصِ الْأُلُوهِيَّةِ بِاَللَّهِ الَّذِي أَفَادَهُ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ (قَوْلُهُ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا كَانَ) صَرِيحٌ فِي إمْكَانِ غَيْرِ مَا كَانَ، وَإِلَّا لَقَالَ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ إلَّا مَا كَانَ وَإِمْكَانُ غَيْرِ مَا كَانَ مَعَ الْتِزَامِ أَنَّ مَا كَانَ هُوَ الْأَبْدَعَ يَسْتَلْزِمُ إمْكَانَ غَيْرِ الْأَبْدَعِ وَإِذَا كَانَ غَيْرُ الْأَبْدَعِ مُمْكِنًا فَمِنْ أَيْنَ أَنَّ مَا كَانَ هُوَ الْأَبْدَعَ بَلْ جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ هُوَ الْأَبْدَعَ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبْدَعِ مُمْكِنٌ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَيْرَ الْأَبْدَعِ إنْ كَانَ مُمْكِنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاقِعَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا فَمِنْ أَيْنَ أَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْأَبْدَعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا فَلَا يُقَالُ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا كَانَ بَلْ يُقَالُ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ إلَّا مَا كَانَ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ لَكِنَّ الْمُمْكِنَ بِالذَّاتِ قَدْ يَمْتَنِعُ بِالْغَيْرِ فَجَازَ أَنْ يَمْتَنِعَ

الصفحة 23