كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

مِنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِلْمَ أَتْقَنَهُ وَالْإِرَادَةُ خَصَّصَتْهُ وَالْقُدْرَةُ أَبْرَزَتْهُ وَلَا نَقْصَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَكَانَ بُرُوزُهُ عَلَى أَبْدَعِ وَجْهٍ وَأَكْمَلِهِ وَلَمْ يَتَفَاوَتْ بِالنِّسْبَةِ لِبَارِئِهِ {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: 3] بَلْ لِذَوَاتِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْكَامِ فَاعْتِرَاضُهُ بِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ عَجْزُ الْمُحْدِثِ لِهَذَا الْعَالِمِ عَنْ إيجَادِ أَبْدَعَ مِنْهُ أَوْ بُخْلُهُ بِهِ أَوْ وُجُوبُ فِعْلِ الْأَصْلَحِ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ مُوجَبٌ بِالذَّاتِ هُوَ عَيْنُ الْحُمْقِ وَالْجَهْلِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ أَبْدَعُ مِنْهُ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ الْقُدْرَةُ بِإِعْدَامِهِ حَالَ وُجُودِهِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ فَلَمْ يُنَافِ ذَلِكَ صُلُوحَ الْقُدْرَةِ لِلطَّرَفَيْنِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ ثُمَّ الِاعْتِرَاضُ إنَّمَا يُتَوَهَّمُ حَيْثُ لَمْ تُجْعَلْ مَا مَصْدَرِيَّةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (الْغَفَّارُ) أَيْ السَّتَّارُ لِذُنُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِهَا وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْوَاحِدِ الْقَهْرُ آثَرَهُ عَلَى الْقَهَّارِ لِئَلَّا تَنْزَعِجَ الْقُلُوبُ مِنْ تَوَالِيهِمَا وَلِيَتِمَّ لَهُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الطِّبَاقِ الْمَعْنَوِيِّ لِإِشَارَةِ الْأَوَّلِ لِمَقَامِ الْخَوْفِ وَالثَّانِي لِضِدِّهِ.
(تَنْبِيهٌ) فَرَّقُوا بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْأَحَدِ وَأَصْلُهُ وَحِدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجِدَ (قَوْلُهُ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا كَانَ (قَوْلُهُ فَكَانَ بُرُوزُهُ إلَخْ) هَذَا التَّفْرِيعُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يُتْقِنُ إلَّا الْأَبْدَعَ وَالْإِرَادَةُ لَا تُخَصِّصُ إلَّا الْأَبْدَعَ وَالْقُدْرَةُ لَا تُبْرِزُ إلَّا الْأَبْدَعَ وَمَا ذَكَرَهُ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ سم (قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ إلَخْ) يَمْنَعُهُ مَا حَكَاهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ عَنْ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي جَوَابِهِ نَفْسَهُ عَنْ السُّؤَالِ عَنْهُ عَنْ كَلِمَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى إذَا فَعَلَ فَلَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَيْ فَضْلًا مِنْهُ وَمَنَالًا وُجُوبًا تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَ إلَّا نِهَايَةُ مَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ فَكُلُّ مَا قَضَاهُ وَيَقْضِيهِ مِنْ خَلْقِهِ بِعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى غَايَةِ الْحِكْمَةِ وَنِهَايَةِ الْإِتْقَانِ وَمَبْلَغُ جَوْدَةِ الصُّنْعِ اهـ.
ثُمَّ قَالَ الْجَلَالُ وَالْحَاصِلُ أَنَّا نَقُولُ كُلُّ مَوْجُودٍ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ إيجَادُهُ عَلَى عِدَّةِ أَوْجُهٍ أُخْرَى، وَأَنَّ الْقُدْرَةَ صَالِحَةٌ لِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي أَوْجَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَبْدَعَهَا لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِوَجْهِ الْحِكْمَةِ فِيهِ، وَإِيجَادُهُ وَلَا نَنْفِي أَنْ يُوجَدَ بَعْدَهُ ضِدُّهُ وَنَقُولُ أَنَّهُ إذَا أُوجِدَ ضِدُّهُ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي كَانَ ذَلِكَ الضِّدُّ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي أَبْدَعَ مِنْ الضِّدِّ الْأَوَّلِ فَكُلُّ مَوْجُودٍ أَبْدَعُ فِي وَقْتِهِ مِنْ خِلَافِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَاعْتِرَاضُهُ) أَيْ قَوْلُ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورُ وَلِجَلَالِ الدِّينِ السُّيُوطِيّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا بِتَشْيِيدِ الْأَرْكَانِ مِنْ لَا أَبْدَعَ فِي الْإِمْكَانِ مِمَّا كَانَ بَسَطَ فِيهَا بَيَانَ مَقْصِدِ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ وَحَقَّقَهُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَيَّدَهُ بِكَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيِّينَ، وَدَفَعَ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُورَدَةَ عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ عَدِيدَةٍ نَقْلِيَّةٍ وَعَقْلِيَّةٍ رَاجِعْهَا (قَوْلُهُ عَنْ إيجَادِ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ بُخْلِهِ بِهِ) أَيْ إنْ اقْتَدَرَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ وُجُوبِ فِعْلِ الْأَصْلَحِ) أَيْ كَمَا يَقُولُ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ (قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُ مُوجِبٌ إلَخْ) أَيْ كَمَا يَقُولُ بِهِ الْفَلَاسِفَةُ وَرَدَّ سم دَعْوَى الِاسْتِلْزَامِ الْمَذْكُورِ بِمَا نَصُّهُ امْتِنَاعُ إيجَادِ أَبْدَعَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لَا أَبْدَعَ مِنْهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْعَجْزِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ اهـ.
(قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ إلَخْ) هَذِهِ الْعِلَاوَةُ فَرْعُ أَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْأَبْدَعُ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا سم وَقَدْ مَرَّ هُنَاكَ مَنْعُهُ (قَوْلُهُ حَالَ وُجُودِهِ) التَّقْيِيدُ بِهِ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْإِيرَادِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بَلْ لِلْمُورِدِ أَنْ يُعَبِّرَ هَكَذَا يُمْكِنُ أَبْدَعُ مِنْ الْمَوْجُودِ بِأَنْ يُعْدِمَهُ وَيُوجِدَ بَدَلَهُ أَبْدَعَ مِنْهُ أَوْ بِأَنْ يُوجِدَ الْإِبْدَاعَ ابْتِدَاءً فَلَا يَلْزَمُهُ مَا أَلْزَمَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ سم.
(قَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ تُجْعَلْ مَا مَصْدَرِيَّةً) يُتَأَمَّلُ الْمَعْنَى عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ سم أَقُولُ الْمُغْنِي عَلَيْهَا كَمَا فِي تَشْيِيدِ الْأَرْكَانِ عَنْ الزَّرْكَشِيّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِنْ وُجُودِ هَذَا الْعَالَمِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَحْصُلُ لِلْمُمْكِنِ مِنْ الْحَقِّ سِوَى الْوُجُودِ وَقَدْ حَصَلَ (قَوْلُهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) يَقْتَضِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُغْفَرُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي الزَّائِدَةِ عَلَى الْكُفْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ عَمِيرَةَ وَيُوَافِقُهُ تَصْرِيحُهُمْ فِي الْجَنَائِزِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا عَدَا الشِّرْكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ الْوُقُوعُ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ ع ش (قَوْلُهُ فَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِهَا) عِبَارَةُ غَيْرِهِ فَلَا يُظْهِرُهَا بِالْعِقَابِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ مِنْ شَأْنِ الْوَاحِدِ إلَخْ) أَيْ فِي مِلْكِهِ مَحَلِّيٌّ (قَوْلُهُ آثَرَهُ) أَيْ الْغَفَّارَ وَقَوْلُهُ مِنْ تَوَالِيهِمَا أَيْ الْقَهَّارِ وَالْوَاحِدِ (قَوْلُهُ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ الْوَاحِدِ وَالْغَفَّارِ فَفِي تَعْبِيرِهِ تَشْتِيتٌ لِلضَّمَائِرِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ لِئَلَّا تَنْزَعِجَ إلَخْ) لَا يُقَالُ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا فِي التَّنْزِيلِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَقَامُ هُنَا مَقَامُ الْوَصْفِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ وَالْإِنْعَامِ فَكَانَ ذِكْرُ الْغَفَّارِ هُنَا أَنْسَبَ عَمِيرَةٌ (قَوْلُهُ مِنْ الطِّبَاقِ الْمَعْنَوِيِّ) وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ وَحْدٌ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَوْ وَحْدٌ بَدَلٌ مِنْ أَصْلِهِ بِالْجَرِّ عُطِفَ عَلَى الْوَاحِدِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ قَالَ الْكُرْدِيُّ وَوَحْدٌ بِمَعْنَى وَاحِدٍ اهـ.
وَفِي كُلِّيَّاتِ أَبِي الْبَقَاءِ مَا نَصُّهُ وَهَمْزَتُهُ أَيْ الْأَحَدِ إمَّا أَصْلِيَّةٌ وَإِمَّا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْوَاوِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ وَحْدٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوُقُوعُ غَيْرِ الْأَبْدَعِ لِتَرْجِيحِ وُقُوعِ الْأَبْدَعِ بِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ بِهِ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ فَكَانَ بُرُوزُهُ) هَذَا التَّفْرِيعُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَقْتَنُّ إلَّا الْأَبْدَعَ وَالْإِرَادَةُ لَا تُخَصِّصُ إلَّا الْأَبْدَعَ وَالْقُدْرَةُ لَا تُبْرِزُ إلَّا الْأَبْدَعَ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ انْتَهَى (قَوْلُهُ عَنْ إيجَادِ أَبْدَعَ مِنْهُ) امْتِنَاعُ إيجَادِ أَبْدَعَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لَا أَبْدَعَ مِنْهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْعَجْزِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ) هَذِهِ الْعِلَاوَةُ فَرْعٌ أَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْأَبْدَعُ وَلَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا (قَوْلُهُ حَالَ وُجُودِهِ) التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ حَالَ وُجُودِهِ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْإِيرَادِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بَلْ لِلْمَوْرِدِ أَنْ يُعَبِّرَ هَكَذَا يُمْكِنُ أَبْدَعُ مِنْ الْمَوْجُودِ بِأَنْ يُعْدِمَهُ وَيُوجِدَ بَدَلَهُ أَبْدَعَ مِنْهُ أَوْ بِأَنْ يُوجِدَ الْأَبْدَعَ ابْتِدَاءً فَلَا يَلْزَمُ مَا أَلْزَمَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ تُجْعَلْ مَا مَصْدَرِيَّةً) يُتَأَمَّلُ الْمَعْنَى عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ (قَوْلُهُ

الصفحة 24