كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

بِأَنَّ أَحَدًا يَخْتَصُّ بِأُولِي الْعِلْمِ وَبِالنَّفْيِ إلَّا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَاحِدُ أَوْ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْآيَةِ وَوَصْفًا بِاَللَّهِ دُونَ وَاحِدٍ وَوَحْدٍ وَبِأَنَّ نَفْيَهُ نَفْيٌ لِلْمَاهِيَّةِ بِخِلَافٍ فِي الْوَاحِدِ إذْ لَا يَنْفِي الِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَبِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُؤَنَّثِ أَيْضًا نَحْوُ {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] وَالْمُفْرَدُ وَالْجَمْعُ نَحْوُ {مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 47] وَبِأَنَّ لَهُ جَمْعًا مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ الْأَحَدُونَ وَالْآحَادُ وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ بِتَرَادُفِهِمَا وَلَكِنَّ الْغَالِبَ اسْتِعْمَالُ أَحَدٍ بَعْدَ النَّفْيِ اخْتِيَارٌ لَهُ

(وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا) عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَعَّفِ سُمِّيَ بِهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْلَفْ قَبْلُ أَوْ أَنَّ ظُهُورَهُ بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إشَارَةً إلَى كَثْرَةِ خِصَالِهِ الْمَحْمُودَةِ وَرَجَاءَ أَنْ يَحْمَدَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا سِيَّمَا إنْ صَحَّ مَا نُقِلَ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ رَأَى سِلْسِلَةً بَيْضَاءَ خَرَجَتْ مِنْهُ أَضَاءَ لَهَا الْعَالَمُ فَأُوِّلَتْ بِوَلَدٍ يَخْرُجُ مِنْهُ يَكُونُ كَذَلِكَ (عَبْدُهُ) قُدِّمَ لِأَنَّ وَصْفَ الْعُبُودِيَّةِ أَشْرَفُ الْأَوْصَافِ وَمِنْ ثَمَّ ذُكِرَ فِي أَفْخَمِ مَقَامَاتِهِ {أَسْرَى بِعَبْدِهِ - نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ} [النجم: 10] (وَرَسُولُهُ) لِكَافَّةِ الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ إجْمَاعًا مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَكْفُرُ مُنْكِرُهُ وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ كَمَا رَجَّحَهُ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ كَالسُّبْكِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَرَدُّوا عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَصَرِيحُ آيَةِ {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] إذْ الْعَالَمُ مَا سِوَى اللَّهِ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «وَأُرْسِلْت إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً» يُؤَيِّدُ ذَلِكَ بَلْ.
قَالَ الْبَارِزِيُّ أَنَّهُ أُرْسِلَ حَتَّى لِلْجَمَادَاتِ بَعْدَ جَعْلِهَا مُدْرِكَةً وَفَائِدَةُ الْإِرْسَالِ لِلْمَعْصُومِ وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ طَلَبُ إذْعَانِهِمَا لِشَرَفِهِ وَدُخُولُهُمَا تَحْتَ دَعْوَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ تَشْرِيفًا لَهُ عَلَى سَائِرِ الْمُرْسَلِينَ وَالرَّسُولُ مِنْ الْبَشَرِ ذَكَرٌ حُرٌّ أَكْمَلُ مُعَاصِرِيهِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ عَقْلًا وَفِطْنَةً وَقُوَّةَ رَأْيٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ يُرَادُ بِالْأَحَدِ مَا يَكُونُ وَاحِدًا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَلِأَنَّ الْأَحَدِيَّةَ هِيَ الْبَسَاطَةُ الصِّرْفَةُ عَنْ جَمِيعِ أَنْحَاءِ التَّعَدُّدِ عَدَدِيًّا أَوْ تَرْكِيبِيًّا أَوْ تَحْلِيلِيًّا فَاسْتُهْلِكَتْ الْكَثْرَةُ النِّسْبِيَّةُ الْوُجُودِيَّةُ فِي أَحَدِّيَّةِ الذَّاتِ.
وَلِهَذَا رَجَحَ عَلَى الْوَاحِدِ فِي مَقَامِ التَّنْزِيهِ لِأَنَّ الْوَاحِدِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ الْعَدَدِيِّ فَالْكَثْرَةُ الْعَيْنِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ مُنْتَفِيَةً فِي الْوَاحِدِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْكَثْرَةَ النِّسْبِيَّةَ مُتَعَقَّلٌ فِيهَا اهـ.
(قَوْلُهُ بِأَنَّ أَحَدٌ) كَأَنَّهُ عَلَى الْحِكَايَةِ عَلَى أَوَّلِ أَحْوَالِهِ بَصْرِيٌّ اهـ.
(قَوْلُهُ وَبِالنَّفْيِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْكُلِّيَّاتِ الْأَحَدُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ وَيَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ وَاسْمٍ لِمَنْ يَصْلُحُ أَنْ يُخَاطَبَ مَوْضُوعٌ لِلْعُمُومِ فِي النَّفْيِ مُخْتَصٌّ بِبَعْدِ نَفْيٍ مَحْضٍ نَحْوِ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] أَوْ نَهْيٍ نَحْوُ {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} [هود: 81] أَوْ اسْتِفْهَامٍ يُشْبِهُهُمَا نَحْوُ {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم: 98] وَلَا يَقَعُ فِي الْإِثْبَاتِ إلَّا بَعْدَ كُلٍّ وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ كَيَوْمِ الْأَحَدِ وَمِنْهُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَبِمَعْنَى الْوَاحِدِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَوَصْفًا) أَيْ وَيَخْتَصُّ وَصْفًا فَهُوَ حَالٌ سم عِبَارَةُ الْكُلِّيَّاتِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اسْتَأْثَرَ بِهَا فَلَا يَشْتَرِكُ فِيهَا شَيْءٌ اهـ.
(قَوْلُهُ إذْ لَا يَنْفِي) أَيْ نَفْيَ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ وَبِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْكُلِّيَّاتِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَحِينَ أُضِيفَ إلَيْهِ أَوْ أُعِيدَ إلَيْهِ ضَمِيرُ الْجَمْعِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ يُرَادُ بِهِ جَمْعٌ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي يَدُلُّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فَمَعْنَى {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] أَيْ بَيْنَ جَمْعٍ مِنْ الرُّسُلِ وَمَعْنَى {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} [الحاقة: 47] أَيْ مِنْ جَمَاعَةٍ وَمَعْنَى {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] أَيْ كَجَمَاعَةٍ مِنْ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ نَحْوُ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ إلَخْ) مِثَالٌ لِلْجَمْعِ (قَوْلُهُ بِتَرَادُفِهِمَا) أَيْ الْوَاحِدِ وَالْأَحَدِ (قَوْلُهُ اخْتِيَارٌ لَهُ) خَبَرٌ وَقَوْلُ إلَخْ وَالضَّمِيرُ لِأَبِي عُبَيْدٍ

(قَوْلُهُ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَعَّفِ) بِالْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ الْمُضَعَّفِ) أَيْ مُكَرَّرِ الْعَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ التَّضْعِيفِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَ الصَّرْفِيِّينَ وَهُوَ فِي الثُّلَاثِيِّ مَا كَانَتْ عَيْنُهُ وَلَامُهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَدَّ وَفِي الرُّبَاعِيِّ مَا كَانَتْ فَاؤُهُ وَلَامُهُ الْأُولَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَعَيْنُهُ وَلَامُهُ الثَّانِيَةُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَزَلْزَلَ ع ش (قَوْلُهُ سُمِّيَ بِهِ نَبِيُّنَا إلَخْ) وَلَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ بِمُحَمَّدٍ قَبْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ لَمَّا قَرُبَ زَمَنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَشَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ نَعْتَهُ سَمَّى قَوْمٌ أَوْلَادَهُمْ بِهِ رَجَاءَ النُّبُوَّةِ لَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ وَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ بِإِلْهَامٍ) مُتَعَلِّقٌ بِسُمِّي (قَوْلُهُ إشَارَةً إلَخْ) مَفْعُولٌ لَهُ لِسُمِّي الْمُقَيَّدِ بِقَوْلِهِ بِإِلْهَامٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَرَجَاءٌ إلَخْ عُطِفَ عَلَيْهِ لَكِنْ بِدُونِ اعْتِبَارِ تَقَيُّدِ عَامِلِهِ أَيْ سُمِّيَ بِالْإِلْهَامِ فَتَأَمَّلْ عِبَارَةُ الْمُغْنِي سُمِّيَ بِهِ إلْهَامًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ يَكْثُرُ حَمْدُ الْخَلْقِ لَهُ لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْجَمِيلَةِ كَمَا رُوِيَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ قِيلَ لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَهَا لِمَ سَمَّيْت ابْنَك مُحَمَّدًا وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ آبَائِك وَلَا قَوْمِك قَالَ رَجَوْت أَنْ يُحْمَدَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفُ اسْمٍ وَلِنَبِيِّهِ كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ إنَّهُ رَأَى إلَخْ) أَيْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ (قَوْلُهُ مَعْلُومًا إلَخْ) الْأَوْلَى الْعَطْفُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ إلَخْ) خِلَافًا لِلنِّهَايَةِ عِبَارَتُهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ مِنْ النَّاسِ لِيَدْعُوَهُمْ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا أَوْضَحَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ اهـ وَيَأْتِي عَنْ الْمُغْنِي مَا يُشِيرُ إلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّارِحُ مِنْ بَعْثِهِ إلَى الْمَلَائِكَةِ (قَوْلُهُ إذْ الْعَالَمُ إلَخْ) عِلَّةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ وَصَرِيحُ إلَخْ) الْأَوْلَى وَظَاهِرُ آيَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى آيَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ يُؤَيِّدُ إلَخْ) خَبَرٌ وَصَرِيحُ إلَخْ (قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ بَعْثُهُ إلَى الْمَلَائِكَةِ (قَوْلُهُ بَلْ قَوْلُ الْبَارِزِيِّ إلَخْ) عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ عِبَارَتَهُ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ لِلْمُصَنِّفِ بَلْ أَخَذَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِعُمُومِهِ حَتَّى لِلْجَمَادَاتِ بِأَنْ رَكَّبَ فِيهَا عَقْلٌ حَتَّى آمَنَتْ بِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ الْإِرْسَالِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ فَإِنْ قُلْت تَكْلِيفُ الْمَلَائِكَةِ مِنْ أَصْلِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قُلْت الْحَقُّ تَكْلِيفُهُمْ بِالطَّاعَاتِ الْعَمَلِيَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] بِخِلَافِ نَحْوِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فِيهِمْ فَالتَّكْلِيفُ بِهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فَهُوَ مُحَالٌ اهـ.
(قَوْلُهُ مِنْ الْبَشَرِ) يُخْرِجُ الرَّسُولُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّ الْإِرْسَالَ مِنْهُمْ هُوَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَوَصْفًا) أَيْ وَيَخْتَصُّ وَصْفًا فَهُوَ حَالٌ

الصفحة 25