كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

وَخَلْقًا بِالْفَتْحِ وَعُقْدَةُ مُوسَى أُزِيلَتْ بِدَعْوَتِهِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ كَمَا فِي الْآيَةِ مَعْصُومٌ وَلَوْ مِنْ صَغِيرَةٍ سَهْوًا قَبْلَ النُّبُوَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ سَلِيمٌ مِنْ دَنَاءَةِ أَبٍ وَخَنَى أُمٍّ وَإِنْ عَلِيًّا وَمِنْ مُنَفِّرٍ كَعَمًى وَبَرَصٍ وَجُذَامٍ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا نَحْوُ بَلَاءِ أَيُّوبَ وَعَمًى نَحْوِ يَعْقُوبَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ لِطُرُوِّهِ بَعْدَ الْأَنْبَاءِ وَالْكَلَامُ فِيمَا قَارَنَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا مُنَفِّرٌ بِخِلَافِهِ فِيمَنْ اسْتَقَرَّتْ نُبُوَّتُهُ وَمِنْ قِلَّةِ مُرُوءَةٍ كَأَكْلٍ بِطَرِيقٍ وَمِنْ دَنَاءَةِ صَنْعَةٍ كَحِجَامَةٍ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ وَلَا نَسْخٌ كَيُوشَعَ فَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ فَنَبِيٌّ فَحَسْبُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ إجْمَاعًا لِتَمَيُّزِهِ بِالرِّسَالَةِ الَّتِي هِيَ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ النُّبُوَّةِ فِيهِ وَزَعَمَ تَعَلُّقَهَا بِالْحَقِّ يَرُدُّهُ أَنَّ الرِّسَالَةَ فِيهَا ذَلِكَ مَعَ التَّعَلُّقِ بِالْخَلْقِ فَهُوَ زِيَادَةُ كَمَالٍ فِيهَا، وَصَحَّ خَبَرُ أَنَّ «عَدَدَ الْأَنْبِيَاءِ مِائَةٌ وَأَلْفٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا» وَخَبَرُ أَنَّ «عَدَدَ الرُّسُلِ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ» . وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى عَدِّهِمَا فَفِي سَنَدٍ لَهُ ضَعِيفٍ وَفِي آخَرَ مُخْتَلِطٌ لَكِنَّهُ انْجَبَرَ بِتَعَدُّدِهِ فَصَارَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ، وَمِمَّا يُقَوِّيهِ تَكَرُّرُ رِوَايَةِ أَحْمَدَ لَهُ فِي مُسْنَدِهِ وَقَدْ قَرَّرُوا أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الضَّعِيفِ فِي مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ وَبِمَا ذُكِرَ الصَّرِيحُ فِي تَغَايُرِ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ يَتَبَيَّنُ غَلَطُ مَنْ زَعَمَ اتِّحَادَهُمَا فِي اشْتِرَاطِ التَّبْلِيغِ وَاسْتِرْوَاحُ ابْنِ الْهُمَامِ مَعَ تَحْقِيقِهِ فِي نِسْبَتِهِ ذَلِكَ الْغَلَطَ لَلْمُحَقِّقِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي هُوَ مُطْلَقُ السِّفَارَةِ رَشِيدِيٌّ عِبَارَةُ شَيْخِنَا وَمَعْنَى كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أَنَّهُمْ وَاسِطَةٌ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْخَلْقِ مِنْ الْبَشَرِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَخَلْقًا) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْكَلَامَ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ صَغِيرَةٍ سَهْوًا) مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ تَشْرِيعٌ.
وَأَمَّا السَّهْوُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَجَائِزٌ كَمَا وَقَعَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِيَامِهِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ مُعْتَقِدًا التَّمَامَ بُنَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْغَايَاتِ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَخَنَى أُمٍّ) أَيْ بِالْقَصْرِ أَيْ فُحْشُهَا وَزِنَاهَا (قَوْلُهُ وَعَمَى) وَفِي كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} [هود: 91] مَا يُصَرِّحُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ فَقْدِ الْعَمَى وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي حَاشِيَتِهِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ نَحْوُ يَعْقُوبَ) كَشُعَيْبٍ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ) أَيْ عَمَى نَحْوِ يَعْقُوبَ (قَوْلُهُ لِطَرْدِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَلَاءِ وَالْعَمَى (قَوْلُهُ أَنَّ هَذَا) أَيْ الْمُقَارَنَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ) أَيْ الطَّارِئِ (قَوْلُهُ وَمِنْ قِلَّةٍ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مِنْ دَنَاءَةِ أَبٍ (قَوْلُهُ أُوحِيَ إلَيْهِ إلَخْ) نَعْتٌ خَامِسٌ لِذَكَرٍ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ إلَخْ) وَالْكَلَامُ فِي نُبُوَّةِ رَسُولٍ وَرِسَالَتِهِ وَإِلَّا فَالرَّسُولُ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ قَطْعًا وَالنُّبُوَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْوِلَايَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِنَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ تَعْلِيلَهُ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالنُّبُوَّةِ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفَ وَهُوَ الْإِيحَاءُ إلَى شَخْصٍ بِتَشْرِيعٍ خَاصٍّ بِهِ وَبِالرِّسَالَةِ الْإِيحَاءُ بِتَشْرِيعٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَوْ بِنَحْوِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّفَاسِيرِ الْمَشْهُورَةِ إذْ مِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ النُّبُوَّةَ بِكُلِّ هَذِهِ الْمَعَانِي لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْخَلْقِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهَا فِعْلُ مُكَلَّفٍ كَمَا أَنَّ الرِّسَالَةَ كَذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّةُ التَّعَلُّقِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَعَلُّقٌ بِالْحَقِّ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ صُدُورِهِمَا عَنْهُ، وَهَذَا الْبَيَانُ لَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى غَيْرِ مِثْلِهِ فَكَيْفَ بِهِ وَقَدْ شُرِّفَ بِالتَّلْقِيبِ بِسُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ مِنْ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ فَيَحُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالنُّبُوَّةِ بَاطِنَهَا الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْوِلَايَةِ وَهِيَ الْإِيحَاءُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، وَمَا يُلَائِمُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَسْرَارِ الْمَوْجُودَاتِ وَمَعْرِفَتِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَأَحْوَالِ النَّشْأَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ وَالْبَرْزَخِيَّةِ وَبِالرِّسَالَةِ ظَاهِرُ النُّبُوَّةِ الَّذِي هُوَ الْإِيحَاءُ بِالتَّشْرِيعِ الْخَاصِّ أَوْ الْعَامِّ إذْ الْأَوَّلُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَقِّ تَعَالَى وَالثَّانِي مُتَعَلِّقٌ بِالْخَلْقِ أَيْ بِتَكْمِيلِهِمْ لِيَتَهَيَّئُوا لِإِفَاضَةِ شَيْءٍ مَا مِنْ انْعِكَاسِ أَنْوَارِ بَاطِنِ النُّبُوَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ أَمَّا تَوْجِيهُ كَوْنِ الثَّانِي مُتَعَلِّقًا بِالْخَلْقِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا تَوْجِيهُ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ بِالْحَقِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا ذُكِرَ مَعَهَا فَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقَائِقِ الْمَوْجُودَاتِ وَاخْتِلَافِ النَّشَآتِ وَأَسْرَارِ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَأَكُّدِ التَّصْدِيقِ بِكَمَالِ الذَّاتِ وَاتِّصَافِهَا بِسَنِيِّ الصِّفَاتِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ مَا قَالَهُ بَعْضُ كُمَّلِ الْعَارِفِينَ مِنْ أَنَّ وِلَايَةَ النَّبِيِّ أَكْمَلُ مِنْ نُبُوَّتِهِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ وَزَعْمُ تَعَلُّقِهَا إلَخْ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ أَيْ وَزَعَمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَعَلُّقَ النُّبُوَّةِ بِالْحَقِّ وَتَعَلُّقَ الرِّسَالَةِ بِالْخَلْقِ (قَوْلُهُ فَهُوَ) أَيْ التَّعَلُّقُ بِالْخَلْقِ (قَوْلُهُ إنَّ عَدَدَ الرُّسُلِ ثَلَثُمِائَةٍ إلَخْ) .
(فَائِدَةٌ)
اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ مُحَمَّدٍ ثَلَثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَسُولًا فَقَالَ فِيهِ ثَلَاثُ مِيمَاتٍ وَإِذَا بَسَطْت كُلًّا مِنْهَا قُلْت فِيهِ م ي م وَعِدَّتُهَا بِحِسَابِ الْجُمَلِ الْكَبِيرِ تِسْعُونَ فَيَحْصُلُ مِنْهَا مِائَتَانِ وَسَبْعُونَ وَإِذَا بُسِطَتْ الْحَاءُ وَالدَّالُ قُلْت دَالٌ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ وَحَاءٌ بِتِسْعَةِ فَالْجُمْلَةُ مَا ذُكِرَ وَالِاسْمُ وَاحِدٌ فَتَمَّ عَدَدُ الرُّسُلِ كَمَا قِيلَ إنَّهُمْ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَأُولُوا الْعَزْمِ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ كَمَا قِيلَ فِيهِمْ
مُحَمَّدٌ إبْرَاهِيمُ مُوسَى كَلِيمُهُ ... فَعِيسَى فَنُوحٌ هُمْ أُولُو الْعَزْمِ فَاعْلَمْ
مُغْنِي وَتَرْتِيبُهُمْ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ ع ش وَبُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ وَخَمْسَةَ عَشْرَ) أَوْ وَأَرْبَعَةَ عَشْرَ أَوْ وَثَلَاثَةَ عَشْرَ أَقْوَالُ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ إلَخْ) أَيْ الْوَاحِدُ (قَوْلُهُ ضَعِيفٌ) أَيْ رَاوٍ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ وَفِي آخَرَ) أَيْ سَنَدٍ آخَرَ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ انْجَبَرَ) أَيْ الْحَدِيثُ الْمُشْتَمِلُ إلَخْ (قَوْلُهُ بِتَعَدُّدِهِ) أَيْ السَّنَدِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْحَسَنُ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَنَّ مَا فِيهِ) أَيْ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (قَوْلُهُ تَبَيَّنَ غَلَطُ مَنْ زَعَمَ اتِّحَادَهُمَا وَهُمَا إلَخْ) أَقُولُ هَذَا الْقَوْلُ مَحْكِيٌّ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ عَلَى أَنَّهُ مَرْجُوحٌ لَا غَلَطٌ وَمِنْهَا النِّهَايَةُ وَفِي ع ش بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الشَّارِحِ مَا نَصُّهُ فَلْيُرَاجَعْ فَإِنَّ مُجَرَّدَ مَا عُلِّلَ بِهِ وَمِنْهُ وُرُودُ الْخَبَرِ بِعَدَدِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ لَا يَقْتَضِي التَّغْلِيطَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَاسْتِرْوَاحُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ غَلَطٌ إلَخْ وَالِاسْتِرْوَاحُ أَخْذُ الشَّيْءِ بِلَا تَعَبٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي نِسْبَةِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِرْوَاحِ (قَوْلُهُ مَعَ تَحْقِيقِهِ) أَيْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ (قَوْلُهُ لِلْمُحَقِّقِينَ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصفحة 26