كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

وَقَدْ صُرِّحَ قَبْلُ بِأَنَّ الْخَبَرَ إنْ صَحَّ بِعَدَدِهِمَا الْمَذْكُورِ وَجَبَ ظَنًّا اعْتِقَادُهُ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي كَلَامِ مُحَقِّقِي أَئِمَّةِ الْأَصْلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا خِلَافُ ذَلِكَ الِاتِّحَادِ، وَأَيُّ مُحَقِّقِينَ خِلَافُ هَؤُلَاءِ ثُمَّ رَأَيْت تِلْمِيذَهُ الْكَمَالَ بْنَ أَبِي شَرِيفٍ أَشَارَ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْته وَوَقَعَ فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّوَارِيخِ وَالتَّفْسِيرِ مَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ، وَهُوَ تَقَوُّلٌ لَا أَصْلَ لَهُ فَوَجَبَ اعْتِقَادُ خِلَافِهِ (الْمُصْطَفَى) أَيْ الْمُسْتَخْلَصِ مِنْ الصَّفْوَةِ (الْمُخْتَارُ) مِنْ الْعَالَمِينَ لِدُعَائِهِمْ إلَى رَبِّهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُهُمْ بِنَصِّ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] إذْ كَمَالُ الْأُمَّةِ تَابِعٌ لِكَمَالِ نَبِيِّهَا {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] إذْ لَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا لَهُ إلَّا إنْ حَوَى جَمِيعَ كَمَالَاتِهِمْ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ آدَم وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي» وَنَهْيُهُ عَنْ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَعَنْ تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِمْ مَحَلُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] فِيمَا يُؤَدِّي لِخُصُومَةٍ أَوْ تَنْقِيصِ بَعْضِهِمْ أَوْ هُوَ تَوَاضُعٌ أَوْ قَبْلَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ

(- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مِنْ الصَّلَاةِ وَهِيَ مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالتَّعْظِيمِ وَخُصَّ الْأَنْبِيَاءُ بِلَفْظِهَا فَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِمْ إلَّا تَبَعًا تَمْيِيزًا لِمَرَاتِبِهِمْ الرَّفِيعَةِ وَأُلْحِقَ بِهِمْ الْمَلَائِكَةُ لِمُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْعِصْمَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِهِمْ وَمَنْ عَدَاهُمْ مِنْ الصُّلَحَاءِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ خَوَاصِّهِمْ وَالسَّلَامُ وَهُوَ التَّسْلِيمُ مِنْ الْآفَاتِ الْمُنَافِيَةِ لِغَايَاتِ الْكِمَالَاتِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِنَقْلِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَرَاهِيَةَ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ أَيْ لَفْظًا لَا خَطًّا خِلَافًا لِمَنْ عَمَّمَ قِيلَ وَالْإِفْرَادُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ أَوْ الْكِتَابُ أَيْ بِنَاءً عَلَى التَّعْمِيمِ، وَكَانَ يَنْبَغِي وَعَلَى آلِهِ لِأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ عَلَيْهِمْ بِالنَّصِّ وَصَحْبِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ كَيْفَ تُرَقَّى إلَخْ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ مُوَافَقَتُهُ لِمَا نُقِلَ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ، ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ نَقَلَ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى تَرَادُفِهِمَا، وَإِنْ كُنْت رَدَدْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ إلَخْ) أَيْ ابْنُ الْهُمَامِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُؤَيِّدَةٌ لِلِاسْتِرْوَاحِ (قَوْلُهُ الْأَصْلَيْنِ) أَيْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَأُصُولِ الدِّينِ (قَوْلُهُ وَأَيُّ مُحَقِّقِينَ إلَخْ) اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ (قَوْلُهُ تِلْمِيذَهُ) أَيْ ابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ مِنْ الشُّرُوطِ) أَيْ فِي الرَّسُولِ قَوْلُ الْمَتْنِ (الْمُصْطَفَى) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الصَّفْوَةِ وَهِيَ الْخُلُوصُ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» الْمُخْتَارُ اسْمُ مَفْعُولٍ أَصْلُهُ مُخْتِيرٌ اخْتَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ لِيَدْعُوَهُمْ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُفَضَّلَ عَلَيْهِ إيذَانًا مِنْهُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْمَعْمُولِ يُؤْذِنُ بِالْعُمُومِ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَحُذِفَ إلَخْ) فِي النِّهَايَةِ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ فَهُوَ أَفْضَلُهُمْ) وَقَدْ حَكَى الرَّازِيّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ مُفَضَّلٌ عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ إذْ كَمَالُ الْأُمَّةِ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى مُدَّعَاهُ وَكَذَا قَوْلُهُ إذْ لَا يَكُونُ إلَخْ بَيَانٌ لِوَجْهِ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ مُمْتَثِلًا لَهُ) أَيْ لِهَذَا الْأَمْرِ (قَوْلُهُ وَنَهْيُهُ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ ظَاهِرِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ مَحَلُّهُ) مُبْتَدَأٌ ثَانٍ (قَوْلُهُ فِيمَا يُؤَدِّي إلَخْ) خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ وَنَهْيُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) عِلَّةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ فِيمَا يُؤَدِّي إلَخْ) أَوْ فِي نَفْسِ النُّبُوَّةِ الَّتِي لَا تَفَاوُتَ إلَّا فِي ذَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَفَاوِتِينَ بِالْخَصَائِصِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَنْقِيصِ بَعْضِهِمْ) أَيْ فَإِنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ نِهَايَةٌ

قَوْلُ الْمَتْنِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَرَنَ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ بِالثَّنَاءِ عَلَى نَبِيِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُحِبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَرْءُ بَيْنَ يَدَيْ خِطْبَتِهِ أَيْ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَكُلِّ أَمْرٍ طَلَبَهُ غَيْرَهَا حَمْدَ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُغْنِي (قَوْلُهُ إلَّا تَبَعًا إلَخْ) وَفِي الشَّبْرَخِيتِيِّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مَا نَصُّهُ تَتِمَّةٌ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ اسْتِقْلَالًا وَكَرَاهَتِهَا وَكَوْنِهَا خِلَافَ الْأَوْلَى خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ الْكَرَاهَةُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ قَالُوا أَيْ أَهْلُ السُّنَّةِ إنَّ النَّوْعَ الْإِنْسَانِيَّ أَفْضَلُ مِنْ نَوْعِ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنَّ خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ وَهُمْ الرُّسُلُ مِنْهُمْ وَإِنَّ عَوَامَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْأَتْقِيَاءُ الْأَوْلِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ كَالسَّيَّاحِينَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَجَمَعَ) إلَى قَوْلِهِ أَيْ لَفْظًا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي (قَوْلُهُ وَالسَّلَامِ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الصَّلَاةِ سم (قَوْلُهُ لَا خَطًّا) بَقِيَ مَا لَوْ أُتِيَ بِأَحَدِهِمَا لَفْظًا وَبِالْآخَرِ خَطًّا أَوْ بِهِمَا مَعًا خَطًّا هَلْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ أَوْ لَا وَهَلْ الْإِفْرَادُ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ وَكَتَبَ الْبُجَيْرِمِيُّ عَلَى قَوْلِ الْإِقْنَاعِ أَتَى بِهَا لَفْظًا وَأَسْقَطَهَا خَطًّا، وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ الْكَرَاهَةِ مَا نَصُّهُ هَذَا وَجْهٌ وَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْكَرَاهَةِ إلَّا إذَا أَتَى بِهِمَا لَفْظًا وَخَطًّا لِمَنْ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْخَطِّ فَصُوَرُ الْإِفْرَادِ الْمَكْرُوهِ خَمْسَةٌ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ أَوْ يَكْتُبَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ أَوْ يَتَلَفَّظَ بِإِحْدَاهُمَا وَيَكْتُبَ الْأُخْرَى أَوْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا وَيَكْتُبَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ أَوْ يَكْتُبَهُمَا مَعًا وَيَتَلَفَّظَ بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَصُوَرُ الْقَرْنِ الْخَالِي عَنْ الْكَرَاهَةِ ثَلَاثٌ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ أَوْ يَكْتُبَهُمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ أَوْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا وَيَكْتُبَهُمَا مَعًا كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْ بِنَاءً عَلَى التَّعْمِيمِ) رَاجِعٌ لِلْمَعْطُوفِ فَقَطْ وَفِي سم مَا نَصُّهُ أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى التَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ خِلَافًا لِمَنْ عَمَّمَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَكَانَ يَنْبَغِي وَعَلَى آلِهِ) قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ وَالسَّلَامُ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ لَفْظًا لَا خَطًّا) بَقِيَ مَا لَوْ أَتَى بِأَحَدِهِمَا لَفْظًا وَبِالْآخَرِ خَطًّا أَوْ بِهِمَا مَعًا خَطًّا هَلْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ أَوْ لَا وَهَلْ الْإِفْرَادُ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا أَوْ لَا لِأَنَّ طَلَبَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُونَ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ أَيْ بِنَاءً عَلَى التَّعْمِيمِ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى التَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ خِلَافًا لِمَنْ عَمَّمَ (قَوْلُهُ وَكَانَ يَنْبَغِي وَعَلَى آلِهِ)

الصفحة 27