كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

لِأَنَّهُمْ مُلْحَقُونَ بِهِمْ بِقِيَاسٍ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ آلِ لَا صُحْبَةَ لَهُمْ وَالنَّظَرُ لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْبِضْعَةِ الْكَرِيمَةِ إنَّمَا يَقْتَضِي الشَّرَفَ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ.
وَكَلَامُنَا فِي وَصْفِ يَقْتَضِي أَكْثَرِيَّةَ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ (وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا) الظَّاهِرُ تَرَادُفُهُمَا فَالْجَمْعُ لِلْإِطْنَابِ، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ الْبَاطِنَةِ وَالثَّانِي لِطَلَبِ زِيَادَةِ الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ الظَّاهِرَةِ ثُمَّ رَأَيْت مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ ضِدُّ النَّقْصِ وَالثَّانِي عُلُوُّ الْمَجْدِ، وَهُوَ أَمْيَلُ إلَى التَّرَادُفِ (لَدَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ وَسُؤَالُ الزِّيَادَةِ لَا يُشْعِرُ بِسَبْقِ نَقْصٍ؛ لِأَنَّ الْكَامِلَ يَقْبَلُ زِيَادَةَ التَّرَقِّي فِي غَايَاتِ الْكَمَالِ فَانْدَفَعَ زَعْمُ جَمْعٍ امْتِنَاعَ الدُّعَاءِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ نَحْوِ خَتْمِ الْقُرْآنِ بِاَللَّهُمِ اجْعَلْ ثَوَابَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَعْمَالِ أُمَّتِهِ يَتَضَاعَفُ لَهُ نَظِيرُهَا؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً لَا تُحْصَى فَهِيَ زِيَادَةٌ فِي شَرَفِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ لَهُ ذَلِكَ فَسُؤَالُهُ تَصْرِيحٌ بِالْمَعْلُومِ (أَمَّا بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ لِحَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةِ مَعْنَاهُ فَإِنْ لَمْ يُنْوَ شَيْءٌ نُوِّنَتْ وَإِنْ نُوِيَ لَفْظُهُ نُصِبَتْ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ جُرَّتْ بِمِنْ وَهِيَ لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى آخَرَ.
وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي بِهَا فِي خُطَبِهِ فَهِيَ سُنَّةٌ قِيلَ وَأَوَّلُ مَنْ قَالَهَا دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرُجِّحَ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ تَكَلُّمٌ بِغَيْرِ لُغَتِهِ وَفَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ هُوَ فَصْلُ الْخُصُومَةِ أَوْ غَيْرُهَا بِكَلَامٍ مُسْتَوْعِبٍ لِجَمِيعِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ غَيْرِ إخْلَالٍ مِنْهَا بِشَيْءٍ وَفِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ أَنَّ يَعْقُوبَ قَالَهَا وَتَلْزَمُ الْفَاءُ فِي حَيِّزِهَا غَالِبًا لِتَضَمُّنِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ مَعَ مَزِيدِ تَأْكِيدٍ وَمِنْ ثَمَّ أَفَادَ أَمَّا زَيْدٌ فَذَاهِبٌ مَا لَمْ يُفِدْهُ زَيْدٌ ذَاهِبٌ مِنْ أَنَّهُ لَا مَحَالَةَ ذَاهِبٌ، وَأَنَّهُ مِنْهُ عَزِيمَةٌ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَصْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآلِ وَالصَّحْبِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ وَلَا كَرَاهَةَ سم (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ) أَيْ أَصْحَابَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ مِنْ الْبَضْعَةِ) وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ اللَّحْمِ يَعْنِي أَنَّهُمْ قِطْعَةٌ مِنْهُ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ) إلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَمْيَلُ إلَى التَّرَادُفِ) فِيهِ نَظَرٌ سم عَلَى حَجّ وَلَعَلَّهُ أَنَّ انْتِفَاءَ النَّقْصِ لَا يُحَصِّلُ مَجْدًا وَلَا رِفْعَةً مَثَلًا كَفِعْلِ الْمُبَاحَاتِ، وَالْمَجْدُ فَوْقَ ذَلِكَ كَالسَّخَاوَةِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ع ش (قَوْلُهُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ إلَخْ) مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْرِفَةً أَمَّا إذَا كَانَ نَكِرَةً فَتُعْرِبُ نُوِيَ مَعْنَاهُ أَوْ لَا كَمَا فِي التَّصْرِيحِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ الْمَعْرِفَةَ جُزْئِيٌّ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ شَبِيهًا بِالْحَرْفِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى الْجُزْئِيِّ بِخِلَافِ النَّكِرَةِ فَضَعُفَتْ الْمُشَابَهَةُ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْأَسْمَاءِ مِنْ الْإِعْرَابِ ع ش (قَوْلُهُ لِحَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ سَبَبَ بِنَائِهَا الْمُشَابَهَةُ بِالْحَرْفِ فِي الِافْتِقَارِ وَرُدَّ بِأَنَّ الِافْتِقَارَ الْمُوجِبَ لِلْبِنَاءِ إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ جُمْلَةً وَهُوَ هُنَا مُفْرَدٌ فِعْلُهُ بِنَائِهَا شَبَهُهَا بِأَحْرُفِ الْجَوَابِ كَنَعَمْ فِي الِاسْتِغْنَاءِ بِهَا عَمَّا بَعْدَهَا فَاللَّامُ لِلتَّوْقِيتِ لَا لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُنْوَ شَيْءٌ نُوِّنَتْ) أَيْ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَرُوِيَ تَنْوِينُهَا مَرْفُوعَةً وَمَنْصُوبَةً لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ لَفْظًا وَتَقْدِيرًا اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ جُرَّتْ بِمِنْ) لَعَلَّ هَذَا بِاعْتِبَارِهَا فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي خُصُوصِ هَذَا التَّرْكِيبِ سم أَقُولُ وَكَذَا قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُنْوَ شَيْءٌ نُوِّنَتْ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا التَّرْكِيبِ هُنَا وَهُوَ كَمَا فِي الْأَطْوَلِ تَذْكِيرًا ابْتِدَاءُ تَأْلِيفِهِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْمُتَبَرَّكِ بِهَا لِيَكُونَ آنُ الشُّرُوعِ فِيمَا بَعْدَهَا غَيْرَ ذَاهِلٍ عَنْهَا فَيَزِيدُ فِي التَّبَرُّكِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمُلَاحَظَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى آخَرَ) أَيْ بِقَصْدِ نَوْعٍ مِنْ الرَّبْطِ فَإِنَّ أَمَّا بَعْدُ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَكَذَا وَكَذَا أَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ الْكَذَا مَرْبُوطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَوَاقِعٌ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ بِالدَّعْوَى بَعْدَ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ فَأَفَادَ رَبْطَهُ بِمَا قَبْلَهُ بِأَنَّهُ وَاقِعٌ بَعْدَهُ وَلَا بُدَّ ابْنُ يَعْقُوبَ قَالَ الْمُغْنِي وَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ اهـ أَيْ صِنَاعَةً وَإِلَّا فَيَجُوزُ شَرْعًا أَوْ الْمُرَادُ لَا يُسْتَحْسَنُ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ فَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ فِي الْخُطَبِ وَالْمُكَاتَبَاتِ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَأَوَّلُ مَنْ قَالَهَا دَاوُد إلَخْ) وَهُوَ أَشْبَهُ نِهَايَةٌ أَيْ أَقْرَبُ لِلصِّحَّةِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ ع ش عِبَارَةُ الْبُجَيْرِمِيِّ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَهِيَ فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ لِأَنَّهَا تَفْصِلُ بَيْنَ الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمَقَاصِدِ وَالْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ مُجَرَّدَ هَذَا لَا يَرُدُّ نَقْلَ الثِّقَاتِ تَكَلُّمُهُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْخَاصِّ مِنْ غَيْرِ لُغَتِهِ خُصُوصًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَتَوَافَقُ اللُّغَاتُ سم (قَوْلُهُ غَالِبًا) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْمُطَوَّلِ وَأَصْلُهَا مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ فَوَقَعَتْ كَلِمَةُ أَمَّا مَوْضِعَ اسْمٍ هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَفِعْلٍ هُوَ الشَّرْطُ وَتَضَمَّنَتْ مَعْنَاهُمَا فَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الشَّرْطِ لَزِمَتْهَا الْفَاءُ اللَّازِمَةُ لِلشَّرْطِ غَالِبًا اهـ وَفِي حَوَاشِيهِمَا مَا حَاصِلُهُ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْ الْفَاءُ بَعْدَ أَمَّا وَلَمْ تَلْزَمْ بَعْدَ غَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوط؛ لِأَنَّ أَمَّا لَمَّا كَانَتْ دَلَالَتُهَا عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ بِالنِّيَابَةِ ضَعُفَتْ فَاحْتَاجَتْ إلَى دَلِيلٍ لِذَلِكَ فَوَجَبَ لُزُومُ الْفَاءِ كُلِّيًّا بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الشَّرْطِيَّةِ بِالْأَصَالَةِ اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يُعْتَذَرَ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْغَالِبِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ حَذْفِهَا فِي نَحْوِ {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106] أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ أَكَفَرْتُمْ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ أَفَادَ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ مَعَ مَزِيدِ تَأْكِيدٍ (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ الْأَصْلُ) أَيْ مَا حَقُّ التَّرْكِيبِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ هَذَا الْأَصْلُ اخْتِصَارًا فَنَرَى عَلَى الْمُطَوَّلِ (قَوْلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ وَالصَّحْبِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ وَلَا كَرَاهَةَ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَمْيَلُ إلَى التَّرَادُفِ) فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ) وَتُرْفَعُ أَيْ بِتَنْوِينٍ عَلَى عَدَمِ نِيَّةِ ثُبُوتِ شَيْءٍ، فَالرَّفْعُ عَلَى أَصْلِ الْمُبْتَدَأِ بَكْرِيٌّ قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ وَقَالَ الْحُوفِيُّ وَإِنَّمَا يَبْنِيَانِ أَيْ قَبْلَ وَبَعْدَ عَلَى الضَّمِّ إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْرِفَةً أَمَّا إذَا كَانَ نَكِرَةً فَإِنَّهُمَا يُعْرَبَانِ سَوَاءٌ نَوَيْت مَعْنَاهُ أَوْ لَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي كَنْزِ الْأُسْتَاذِ الْبَكْرِيِّ وَشَرْحِ الْعُبَابِ لِلشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُنْوَ شَيْءٌ نُوِّنَتْ) لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ التَّنْوِينَ مَعَ النَّصْبِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ حِينَئِذٍ أَوْ مَعَ الضَّمِّ (قَوْلُهُ أَوْ جُرَّتْ بِمِنْ) لَعَلَّ هَذَا بِاعْتِبَارِهَا فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي خُصُوصِ هَذَا التَّرْكِيبِ (قَوْلُهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ

الصفحة 28