كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

هُنَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ سِيبَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَمَا ذُكِرَ

(فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ) افْتِعَالٌ مِنْ الشَّغْلِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ (بِالْعِلْمِ) الْمَعْهُودِ شَرْعًا وَهُوَ التَّفْسِيرُ وَالْحَدِيثُ وَالْفِقْهُ وَآلَاتُهَا وَاخْتِصَاصُهُ بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ عُرْفٌ خَاصٌّ بِنَحْوِ الْوَصِيَّةِ (مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ) فَفَرْضُ عَيْنِهِ أَفْضَلُ الْفُرُوضِ الْعَيْنِيَّةِ لِتَفَرُّعِهَا عَلَيْهِ وَأَفْضَلُهُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعِلْمَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَعْلُومِهِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ إجْمَاعًا وَكَذَا النَّظَرُ الْمُؤَدِّي إلَيْهَا وَوُجُوبُهُمَا بِالشَّرْعِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَشَاعِرَةِ إذْ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ وَعِنْدَ بَعْضٍ مِنَّا وَالْمُعْتَزِلَةِ بِالْعَقْلِ وَبَسْطُ ذَلِكَ يَطُولُ قِيلَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ دَوْرٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ اهـ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ مِنْهُ أَفْضَلُ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَنَفْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ النَّوَافِلِ وَكَوْنُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلَ مُطْلَقًا ثُمَّ بَقِيَّةُ الْعُلُومِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ التَّفْصِيلِ لَا يُنَافِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQهُنَا) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ أَمَّا قُرَيْشًا فَأَنَا أَفْضَلُهَا فَإِنَّ التَّقْدِيرَ مَهْمَا ذَكَرْت قُرَيْشًا إلَخْ عَبْدُ الْحَكِيمِ (قَوْلُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ سِيبَوَيْهِ إلَخْ)
وَقَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ مُرَادُ سِيبَوَيْهِ بَيَانُ الْمَعْنَى الْبَحْتِ وَتَصْوِيرُ أَنَّ أَمَّا تُفِيدُ لُزُومَ مَا بَعْدَ فَائِهَا لِمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ كَذَلِكَ بَلْ الْأَصْلُ إنْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ فَحُذِفَ الشَّرْطُ وَزِيدَتْ مَا وَأُدْغِمَتْ النُّونُ فِي الْمِيمِ وَفُتِحَتْ الْهَمْزَةُ وَالتَّفْصِيلُ فِي الرَّضِيِّ (قَوْلُهُ فِي تَفْسِيرِهِ) أَيْ تَرْكِيبِ أَمَّا بَعْدُ وَقَوْلُهُ مَهْمَا بَسِيطَةٌ لَا مُرَكَّبَةٌ مِنْهُ وَمَا وَلَا مِنْ مَامَا خِلَافًا لِزَاعِمِيهِمَا قَامُوسٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ مَا ذُكِرَ) التَّحْقِيقُ أَنَّ بَعْدَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْجَزَاءِ لَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الشَّرْطِ فَالتَّقْدِيرُ عَلَيْهِ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَبَعْدَ مَا ذَكَرَ رَشِيدِيٌّ وَحَفِيدُ السَّعْدِ وَشَيْخُنَا

(قَوْلُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ) أَيْ مَصْدَرًا وَضَمِّهِ أَيْ اسْمًا وَفِي الْمُخْتَارِ الشُّغْلُ بِضَمِّ الشِّينِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا وَبِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ وَفَتْحِهَا فَصَارَتْ أَرْبَعَ لُغَاتٍ، وَالْجَمْعُ أَشْغَالٌ وَشَغَلَهُ مِنْ بَابِ قَطَعَ وَلَا تَقُلْ أَشْغَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ انْتَهَى وَفِي الْقَامُوسِ وَأَشْغَلَهُ لُغَةٌ جَيِّدَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ انْتَهَى اهـ ع ش (قَوْلُهُ الْمَعْهُودِ) إلَى قَوْلِهِ وَاخْتِصَاصُهُ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ النِّهَايَةُ وَاللَّامُ فِي الْعَلَمِ لِلْجِنْسِ أَوْ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ وَهُوَ الْفِقْهُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ لِلتَّفَقُّهِ أَوْ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الصَّادِقُ بِالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ فِي الدِّينِ أَوْ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ الْعِلْمِ الْمَشْرُوعِ أَيْ الَّذِي يَسُوغُ تَعَلُّمُهُ شَرْعًا قَالَ بَعْضُهُمْ وَعِدَّتُهُ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ اهـ.
قَالَ ع ش قَوْلُهُ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ هَذَا لَا يُبَايِنُ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ تَبَايُنًا كُلِّيًّا بَلْ الْفِقْهُ مَثَلًا يَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنْهَا مُسَمًّى بِاسْمٍ عِنْدَ مَنْ اعْتَبَرَهَا بِذَلِكَ الْعَدِّ اهـ.
(قَوْلُهُ وَآلَاتُهَا) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ التَّفْسِيرُ (قَوْلُهُ وَاخْتِصَاصُهُ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي خُرُوجِ الْآلَاتِ عَنْ الْوَصِيَّةِ سم أَيْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ بِنَحْوِ الْوَصِيَّةِ) أَيْ كَالْوَقْفِ (قَوْلُهُ فَفَرْضُ عَيْنِهِ) مَا وَجْهُ التَّفْرِيعِ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْفَاءُ لِلتَّفْسِيرِ (قَوْلُهُ أَفْضَلُ الْفُرُوضِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ سم (قَوْلُهُ وَأَفْضَلُهُ) أَيْ فَرْضُ عَيْنِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ هُنَا مَا يَشْمَلُ عِلْمَ التَّوْحِيدِ، وَقَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ السَّابِقُ، وَهُوَ التَّفْسِيرُ إلَخْ وَلَوْ زَادَ هُنَاكَ قَوْلَهُ أَوْ جِنْسَ الْعِلْمِ أَوْ كُلَّ عِلْمٍ يَسُوغُ تَعَلُّمُهُ نَظِيرَ مَا مَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ لَكَانَ أَظْهَرَ وَأَسْلَمَ (قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْوُجُوبِ بِالشَّرْعِ وَالْوُجُوبِ بِالْعَقْلِ (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ دَوْرٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ احْتَجَّ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ إلَّا بِالشَّرْعِ لَزِمَ إفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ إذْ يَقُولُ الْمُكَلَّفُ لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ أَيْ النَّظَرُ وَلَا يَجِبُ مَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْعُ وَلَا يَثْبُتُ الشَّرْعُ مَا لَمْ أَنْظُرْ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا:
أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ لَوْ وَجَبَ النَّظَرُ بِالْعَقْلِ فَبِالنَّظَرِ اتِّفَاقًا فَيَقُولُ لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ وَلَا يَجِبُ مَا لَمْ أَنْظُرْ إلَى أَنْ قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ الثَّانِي الْحَلَّ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَك لَا يَجِبُ النَّظَرُ عَلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْعُ عِنْدِي قُلْنَا، هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ مَوْقُوفًا عَلَى الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الشَّرْعِ لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ إذْ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَوْ تَوَقَّفَ الْوُجُوبُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ لَزِمَ الدَّوْرُ وَلَزِمَ أَيْضًا أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ عَلَى الْكَافِرِ بَلْ نَقُولُ الْوُجُوبُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الشَّرْعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَالشَّرْعُ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلِمَ الْمُكَلَّفُ ثُبُوتَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ نَظَرَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَنْظُرْ، وَكَذَلِكَ الْوُجُوبُ أَيْ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَكْلِيفُ الْغَافِلِ؛ لِأَنَّ الْغَافِلَ مَنْ لَمْ يَتَصَوَّرْ التَّكْلِيفَ لَا مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِهِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا قِيلَ إنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ لَا الْعِلْمُ بِهِ وَبِهَذَا الْحَلِّ أَيْضًا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ فَيُقَالُ قَوْلُك لَا يَجِبُ النَّظَرُ عَلَيَّ مَا لَمْ أَنْظُرْ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِالْوُجُوبِ وَالنَّظَرِ فِيهِ اهـ.
وَبِهِ يَتَّضِحُ الدَّوْرُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ سم (قَوْلُهُ لَا مَحِيدَ عَنْهُ) أَيْ لَا مَخْلَصَ عَنْهُ وَيَأْتِي بَيَانُ الدَّوْرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي فَصْلِ إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ كُرْدِيٌّ وَمَرَّ آنِفًا عَنْ سم بَيَانُهُمَا (قَوْلُهُ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ مِنْهُ) الْأَوْلَى وَفَرْضُ كِفَايَتِهِ (قَوْلُهُ وَكَوْنُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ نَشَأَ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSإلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُجَرَّدُ هَذَا لَا يَرُدُّ نَقْلَ الثِّقَاتِ تَكَلُّمُهُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْخَاصِّ مِنْ غَيْرِ لُغَتِهِ خُصُوصًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَتَوَافَقُ اللُّغَاتُ

(قَوْلُهُ وَاخْتِصَاصُهُ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِ الْآلَاتِ عَنْ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ فَفَرْضُ عَيْنِهِ) مَا وَجْهُ التَّفْرِيعِ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْفَاءُ لِلتَّفْسِيرِ، وَقَوْلُهُ أَفْضَلُ الْفُرُوضِ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ دَوْرٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ) قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ احْتَجَّ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ إلَّا بِالشَّرْعِ لَزِمَ إفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ

الصفحة 29