كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

عُدَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْضَلِ إذْ بَعْضُ الْأَفْضَلِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ بَقِيَّةِ أَفْرَادِهِ، وَقَدْ لَا فَزَعْمُ خُرُوجِ الْمَعْرِفَةِ أَوْ إيرَادِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَحِينَئِذٍ فَأَوْلَى مَعْطُوفٌ عَلَى أَفْضَلَ كَمَا يَأْتِي، وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مِنْ أَفْضَلَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ كَوْنَهُ أَفْضَلَ لَا يُنَافِي أَنَّهُ مِنْ الْأَفْضَلِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَحَّ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا» فَأَتَى هُنَا بِمِنْ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْسَنُ النَّاسِ خُلُقًا إجْمَاعًا فَنَتَجَ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ مِنْ الْأَفْضَلِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ أَفْضَلَ بِنَصِّ كَلَامِ أَنَسٍ هَذَا الَّذِي هُوَ أَقْوَى حُجَّةً فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَمَا صَحَّ عَنْهَا أَيْضًا فَإِذَا اُنْتُهِكَ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ فِي ذَلِكَ غَضَبًا فَأَتَتْ بِمِنْ مَعَ أَنَّهُ أَشَدُّهُمْ وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ أَنَّ مِنْ هُنَا زَائِدَةٌ بِخِلَافِهَا فِي كَلَامِ أَنَسٍ.
فَإِنْ قُلْت إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ فَمَا فَائِدَةُ مِنْ الْمُوهِمَةِ خِلَافَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا قُلْت فَائِدَتُهَا الْإِشَارَةُ إلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْته وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ بَقِيَّةِ أَفْرَادِ نَوْعِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإدْخَالِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِلْمِ بِقَوْلِهِ وَأَفْضَلُهُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ عَدَّ ذَلِكَ) أَيْ الْعِلْمَ كُرْدِيٌّ أَيْ الشَّامِلَ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ (قَوْلُهُ إذْ بَعْضُ الْأَفْضَلِ قَدْ يَكُونُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي ذَاتِهِ مُتَفَاوِتُ الرُّتَبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ بَعْضَ الْأَفْضَلِ أَنْ لَا يَكُونَ أَفْضَلَ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ بَعْضُ الْأَفْضَلِ الَّذِينَ هُمْ الْأَنْبِيَاءُ مَعَ أَنَّهُ أَفْضَلُهُمْ عَمِيرَةٌ (قَوْلُهُ أَفْضَلَ بَقِيَّةِ أَفْرَادِهِ) الْمُرَادُ بِالْأَفْرَادِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْإِضَافِيَّةَ (قَوْلُهُ فَزَعَمَ خُرُوجَ الْمَعْرِفَةِ) أَيْ عَدَمَ انْدِرَاجِهَا فِي الْعِلْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَحَلِّيِّ وَصَرِيحُ الْمُغْنِي (قَوْلُهُ أَوْ إيرَادَهَا) أَيْ إيرَادَ الْمَعْرِفَةِ بِزَعْمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ كَوْنِهَا أَفْضَلَ مُطْلَقًا وَكَوْنِهَا مِنْ الْأَفْضَلِ، وَيَجُوزُ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ إلَى الْمُنَافَاةِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ دَخَلَ الْمَعْرِفَةُ فِي الْعِلْمِ هُنَا (قَوْلُهُ كَمَا يَأْتِي) أَيْ مِنْ تَقْدِيرِ مِنْ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِلْمَحَلِّيِّ وَالنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي عِبَارَتُهُ قَالَ الشَّارِحُ وَلَا يَصِحُّ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلَ بَيْنَهُمَا لِلتَّنَافِي عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْ لَوْ قُدِّرَ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ كَانَ كَوْنُهُ أَوْلَى مَا أَنْفَقَتْ إلَخْ مُنَافِيًا لِكَوْنِهِ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ أَوْلَى يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ أَفْضَلَ، وَكَوْنُهُ مِنْ أَفْضَلِ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِنْ أَوْلَى لَا كَوْنَهُ أَوْلَى فَالْإِشَارَةُ بِهَذَا التَّقْدِيرِ إلَى تَقْدِيرِ عَطْفِ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ اهـ.
(قَوْلُهُ عَطْفُهُ عَلَى مِنْ أَفْضَلِ) أَيْ فَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ الشَّامِلِ لِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ بَعْضُ فُرُوضِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْعِلْمِ مَا عَدَا مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَحِينَئِذٍ فَمِنْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَيَمْتَنِعُ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ، وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا كَلَامُ الْمَحَلِّيِّ سم أَيْ فَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ وَكَلَامُ الْمَحَلِّيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ شُمُولِ الْعِلْمِ فِي الْمَتْنِ لِلْمَعْرِفَةِ وَكَلَامُ الشَّارِحِ عَلَى الشُّمُولِ (قَوْلُهُ إنَّ كَوْنَهُ) أَيْ الشَّيْءِ وَقَالَ الْكُرْدِيُّ أَيْ الْعِلْمُ (قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ) أَيْ مَا تَقَرَّرَ مِنْ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ (قَوْلُهُ فَأَتَى إلَخْ) أَيْ أَنَسٌ وَالْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ فَنَتَجَ) أَيْ ثَبَتَ (قَوْلُهُ هَذَا) نَعْتٌ لِكَلَامِ أَنَسٍ وَقَوْلُهُ الَّذِي إلَخْ نَعْتٌ لِهَذَا (قَوْلُهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَمَا صَحَّ إلَخْ) هَلَّا قَالَ وَمَا صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا إلَخْ (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ كَحَدِيثِ أَنَسٍ (قَوْلُهُ إنَّ مِنْ هُنَا إلَخْ) أَيْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ (قَوْلُهُ الْمُوهِمَةُ خِلَافَ ذَلِكَ) أَيْ مُسَاوَاتَهُ لِبَقِيَّةِ أَفْرَادِ الْأَفْضَلِ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ) أَيْ الْخِلَافُ (قَوْلُهُ فَائِدَتُهَا الْإِشَارَةُ إلَخْ) فِي إفَادَتِهَا الْإِشَارَةَ إلَى مَا ذُكِرَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ بَعْضَ الْأَفْضَلِ صَادِقٌ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لِبَقِيَّةِ أَفْرَادِ الْأَفْضَلِ بَلْ بَعْضُ الطَّاعَاتِ غَيْرُ الْمَعْرِفَةِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ حَتَّى مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ مَعَ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهَا إنْقَاذُ نَبِيٍّ بَلْ أَوْ غَيْرِ نَبِيٍّ مِنْ الْهَلَاكِ تَعَيَّنَ تَقْدِيمُ الْإِنْقَاذِ وَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا سم وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ مَعَ صَلَاةِ الْفَرْضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSإذْ يَقُولُ الْمُكَلَّفُ لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ أَيْ النَّظَرُ وَلَا يَجِبُ مَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْعُ وَلَا يَثْبُتُ الشَّرْعُ مَا لَمْ أَنْظُرْ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ لَوْ وَجَبَ النَّظَرُ بِالْعَقْلِ فَبِالنَّظَرِ اتِّفَاقًا فَيَقُولُ لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ وَلَا يَجِبُ مَا لَمْ أَنْظُرْ إلَى أَنْ قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ الثَّانِي الْحَلُّ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَك لَا يَجِبُ النَّظَرُ عَلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْعُ عِنْدِي قُلْنَا هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الْوُجُوبُ عَيْنَهُ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ مَوْقُوفًا عَلَى الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الشَّرْعِ لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ إذْ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْوُجُوبِ فَلَوْ تَوَقَّفَ الْوُجُوبُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ لَزِمَ الدَّوْرُ وَلَزِمَ أَيْضًا أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ عَلَى الْكَافِرِ بَلْ نَقُولُ الْوُجُوبُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الشَّرْعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالشَّرْعُ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلِمَ الْمُكَلَّفُ بِثُبُوتِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ نَظَرَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَنْظُرْ، وَكَذَلِكَ الْوُجُوبُ أَيْ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَكْلِيفُ الْغَافِلِ لِأَنَّ الْغَافِلَ مَنْ لَمْ يَتَصَوَّرْ التَّكْلِيفَ لَا مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا قِيلَ إنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ لَا الْعِلْمُ بِهِ وَبِهَذَا الْحَلِّ أَيْضًا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ فَيُقَالُ قَوْلُك لَا يَجِبُ النَّظَرُ عَلَيَّ مَا لَمْ أَنْظُرْ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِالْوُجُوبِ وَالنَّظَرِ فِيهِ اهـ.
وَبِهِ يَتَّضِحُ الدَّوْرُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مِنْ أَفْضَلِ) أَيْ فَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ الشَّامِلِ لِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ بَعْضُ فُرُوضِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ الْإِشَارَةُ إلَخْ) فِي إفَادَتِهَا الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذُكِرَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ كَوْنَهُ بَعْضَ الْأَفْضَلِ صَادِقٌ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لِبَقِيَّةِ أَفْرَادِ الْأَفْضَلِ بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْعِلْمِ مَا عَدَا مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَحِينَئِذٍ فَمِنْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَيَمْتَنِعُ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ

الصفحة 30