كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

وَمَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِنَوْعٍ آخَرَ أَعْلَى مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ بَقِيَّةِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَالنَّوَافِلِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ أَيْ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ هُوَ مَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْفُرُوضِ الْعَيْنِيَّةِ غَيْرِ الْعِلْمِ وَنَفْلُهُ أَفْضَلُ النَّوَافِلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ إذْ حَمْلُهُ الْمَذْكُورُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مِنْ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ أَفْضَلُ مِنْ نَفْلِ الصَّلَاةِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعِلْمِ حِينَئِذٍ وَلَا بِدْعَ أَنْ يَخُصَّ قَوْلَهُمْ أَفْضَلُ عِبَادَةِ الْبَدَنِ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَمَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِفُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَالْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَصِحَّ حَذْفُ مِنْ لِهَذَا الِاعْتِبَارِ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ فَضْلُهُ الْوَارِدُ فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ مَا يَحْمِلُ مَنْ لَهُ أَدْنَى نَظَرٍ إلَى كَمَالِ اسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي تَحْصِيلِهِ مَعَ الْإِخْلَاصِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ فِيهِ وِرَاثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَحِيَازَةُ فَضِيلَةِ الصَّالِحِينَ الْقَائِمِينَ بِمَا تَحَتَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ خَلْقِهِ.
وَيَظْهَرُ حُصُولُ أَدْنَى مَرَاتِبِ ذَلِكَ بِالِاتِّصَافِ بِوَصْفِ الْعَدَالَةِ الْآتِي فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ

(و) مِنْ (أَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ لَعَلَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ حَقَّ التَّقْرِيبِ أَنْ يَقُولَ مَعَ الِاشْتِغَالِ بِفَرْضِ عَيْنِ الْعِلْمِ كَعِلْمِ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَيْنًا.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ اعْتِرَاضِ سم بِأَنَّ مُرَادَ التُّحْفَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ أَيْ فَرْضِ عَيْنِ الْعِلْمِ وَفَرْضِ كِفَايَتِهِ وَنَفْلِهِ أَفْضَلُ بَقِيَّةِ أَفْرَادِ نَوْعِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَاعَةٌ لِدُخُولِهِ تَحْتَهَا اهـ أَيْ وَلَيْسَ غَيْرُ الْإِنْقَاذِ فِي صُورَةِ الْمُعَارَضَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِ الْمَعْرِفَةِ طَاعَةً (قَوْلُهُ وَمَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِنَوْعٍ آخَرَ إلَخْ) وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي فَرْضِ عَيْنٍ الْعِلْمُ وَلِذَا تَرَكَهُ فِي التَّفْصِيلِ الْآتِي آنِفًا (قَوْلُهُ إنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ هُوَ مَفْضُولٌ إلَخْ) خَبَرُ إنَّ فَرْضَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَنَفْلُهُ أَفْضَلُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى اسْمِ أَنَّ وَخَبَرُهُ (قَوْلُهُ وَحَمَلَهُ الْمَذْكُورُ) أَيْ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَا بِدْعَ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ، وَنَفْلُهُ أَفْضَلُ النَّوَافِلِ إلَخْ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ بِغَيْرِ الْعِلْمِ، وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ التَّخْصِيصِ بِادِّعَاءِ عَدَمِ انْدِرَاجِ الْعِلْمِ فِي عِبَادَةِ الْبَدَنِ إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ دُونَ الْقَلْبِ (قَوْلُهُ وَمَفْضُولٌ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى أَفْضَلِ النَّوَافِلِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَصِحَّ حَذْفُ مِنْ إلَخْ) أَقُولُ إذَا لَمْ يَصِحَّ حَذْفُ مِنْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَمْ يَصِحَّ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَهَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ السَّابِقَ، وَيَصِحُّ عَطْفُهُ إلَخْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى أَفْرَادِ الْعِلْمِ وَلَا إلَى أَصْنَافِهِ، وَيُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى نَوْعِهِ فَيَصِحُّ أَنَّ نَوْعَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ نَوْعِ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ، وَيَصِحُّ حِينَئِذٍ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ وَحَذْفُ مِنْ وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي حَمْلِ الْعَاقِلِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِهِ كَوْنُهُ بَعْضَ الْأَفْضَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا يُنَافِي أَفْضَلِيَّتَهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَوْنُ بَعْضِ أَفْرَادِهِ مَفْضُولًا كَمَا عُلِمَ مِنْ تَفْصِيلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ كَمَا أَنَّ نَوْعَ الْإِنْسَانِ أَفْضَلُ مِنْ نَوْعِ الْمَلَكِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْمَلَكِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِهِ سم بِحَذْفِ (قَوْلُهُ الْجِنْسُ) الْأَنْسَبُ لِسَابِقِهِ النَّوْعُ (قَوْلُهُ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ) أَوْرَدَ النِّهَايَةُ جُمْلَةً مِنْهُمَا وَالْمُغْنِي جُمَلًا كَثِيرَةً مِنْهُمَا وَمِنْ الْآثَارِ وَقَوْلُهُ مَا يُحْمَلُ فَاعِلُ الْوَارِدِ (قَوْلُهُ إلَى كَمَالٍ) مُتَعَلِّقٌ بِنَظَرَ (قَوْلُهُ عَلَى اسْتِفْرَاغِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِيُحْمَلُ (قَوْلُهُ مَعَ الْإِخْلَاصِ فِيهِ إلَخْ) الْأَوْلَى إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ أَخْلَصَ فِيهِ، وَعَمِلَ بِعِلْمِهِ حَتَّى إلَخْ عِبَارَةُ الْمُغْنِي.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ طَلَبَهُ مُرِيدًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ أَرَادَهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَمَالٍ أَوْ رِيَاسَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ شُهْرَةٍ أَوْ اسْتِمَالَةِ النَّاسِ إلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مَذْمُومٌ، ثُمَّ ذَكَرَ آيَةً وَأَخْبَارًا وَآثَارًا وَارِدَةً فِي ذَمِّهِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ الْقَائِمِينَ إلَخْ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِلصَّالِحِينَ (قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ الْعَمَلِ أَوْ الصَّلَاحِ

(قَوْلُ الْمَتْنِ مَا أَنْفَقْت إلَخْ) وَهُوَ الْعِبَادَاتُ نِهَايَةٌ وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي تَعَلُّمًا إلَخْ أَنَّ مَا وَاقِعَةٌ عَلَى مُطْلَقِ عِلْمٍ وَلَعَلَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَفْضَلَ، وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا كَلَامُ الْمَحَلِّيِّ وَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْ مَعَ مُرَاعَاةِ مُطَابَقَةِ مَا أَفَادَهُ مِنْ أَنَّهُ بَعْضُ الْأَفْضَلِ لَا الْأَفْضَلُ لِلْوَاقِعِ فَلْيُتَأَمَّلْ بَلْ بَعْضُ الطَّاعَاتِ غَيْرُ الْمَعْرِفَةِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ حَتَّى مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ مَعَ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهَا إنْقَاذُ نَبِيٍّ أَوْ غَيْرِ نَبِيٍّ مِنْ الْهَلَاكِ تَعَيَّنَ تَقْدِيمُ الْإِنْقَاذِ، وَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهَا (قَوْلُهُ فَلَمْ يَصِحَّ حَذْفُ مِنْ) أَقُولُ إذَا لَمْ يَصِحَّ حَذْفُ مِنْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَمْ يَصِحَّ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِلَّا لَصَحَّ حَذْفُ مِنْ وَالْمُقَرَّرُ خِلَافُهُ وَحِينَئِذٍ فَهَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ السَّابِقَ وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مِنْ أَفْضَلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَاكَ بِبَعْضِ الِاعْتِبَارَاتِ نَعَمْ لَنَا أَنْ لَا نَنْظُرَ إلَى أَفْرَادِ الْعِلْمِ وَلَا إلَى أَصْنَافِهِ وَيُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى نَوْعِهِ فَيَصِحُّ لَنَا أَنَّ نَوْعَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ نَوْعِ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ وَيَصِحُّ حِينَئِذٍ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلَ، وَيَصِحُّ أَيْضًا حَذْفُ مِنْ.
وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي حَمْلِ الْعَاقِلِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِهِ كَوْنُهُ بَعْضَ الْأَفْضَلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ وَلَا يُنَافِي أَفْضَلِيَّتَهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَوْنُ بَعْضِ أَفْرَادِهِ مَفْضُولًا كَمَا عُلِمَ مِنْ تَفْصِيلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ كَمَا أَنَّ نَوْعَ الْإِنْسَانِ أَفْضَلُ مِنْ نَوْعِ الْمَلَكِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْمَلَكِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَكَمَا أَنَّ نَوْعَ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ نَوْعِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْمَرْأَةِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِ الرَّجُلِ فَلْيُتَأَمَّلْ (فَإِنْ قُلْت) يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ هَذَا مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ (قُلْت) لَا مَانِعَ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا الِاعْتِبَارُ إنْ كَانَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَصِحَّ غَيْرُهُ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ تَوْجِيهُ كَلَامِهِ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ

الصفحة 31