كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

بِتَحَقُّقِ الْوُقُوعِ تَفَاؤُلًا وَفِيهِ اقْتِدَاءٌ بِمَنْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ قَائِلًا {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] الْآيَةَ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ يُعَبِّرْ بِمَا فِي الْآيَةِ قُلْت إشَارَةً إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِكُلِّ دُعَاءٍ أُخْرَوِيٍّ عَلَى أَنَّ فِي إيثَارِ لَفْظِ الرَّحْمَةِ تَأَسِّيًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَحِمَ اللَّهُ أَخِي مُوسَى» (مِنْ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا زَائِدَةٌ لِصِحَّةِ الْمَعْنَى بِدُونِهَا وَقِيلَ مِنْ بِمَعْنَى فِي كَإِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ تَعَسُّفٌ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَقِيلَ لِلْمُجَاوَزَةِ كَمَا فِي زَيْدٌ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو أَيْ جَاوَزَهُ فِي الْفَضْلِ كَمَا أَنَّهُمْ هُنَا جَاوَزُوا الْإِكْثَارَ فِي (التَّصْنِيفِ) وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ أَصْنَافًا مُتَمَيِّزَةً وَأَخَصُّ مِنْهُ التَّأْلِيفَ لِاسْتِدْعَائِهِ زِيَادَةً هِيَ إيقَاعُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الْمُتَمَيِّزَةِ وَكُتُبُ الْأَصْحَابِ مِنْ ذَلِكَ فَالتَّصْنِيفُ هُنَا بِمَعْنَى التَّأْلِيفِ وَهُوَ فِي الْعُلُومِ الْوَاجِبَةِ لَا الْمَنْدُوبَةِ كَالْعَرُوضِ خِلَافًا لِمَنْ عَدَّهُ مِنْ جُمْلَةِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ مِنْ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِ مَنْ اخْتَرَعَهُ فَقِيلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ شَيْخُ شَيْخِ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ غَيْرُهُ وَكِتَابَةُ الْعِلْمِ مُسْتَحَبَّةٌ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ وَهُوَ وَجِيهٌ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَإِلَّا لَضَاعَ الْعِلْمُ وَإِذَا وَجَبَتْ كِتَابَةُ الْوَثَائِقِ لِحِفْظِ الْحُقُوقِ فَالْعِلْمُ أَوْلَى (مِنْ) قِيلَ بَيَانِيَّةٌ وَفِيهِ إنْ لَمْ يُجْعَلْ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ مَفْعُولٍ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّصْنِيفَ غَيْرُ الْمَبْسُوطِ وَالْمُخْتَصَرِ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ، وَالْأَصْلُ وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا الْمُصَنَّفَاتِ (الْمَبْسُوطَاتِ) هِيَ مَا كَثُرَ لَفْظُهَا وَمَعْنَاهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ جَمْعًا لِفَاعِلٍ مُطْلَقًا أَيْ لَا قِيَاسًا وَلَا شُذُوذًا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكُونُ جَمْعَ فَاعِلٍ شُذُوذًا نَحْوُ جَاهِلٍ وَإِجْهَالٍ فَإِنْ ثَبَتَ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ صَحْبٍ شُذُوذًا فِيهَا، وَإِلَّا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ صَاحِبٍ شُذُوذًا فَتَخْصِيصُ الْأَوَّلِ تَحَكُّمٌ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ بِتَحْقِيقِ الْوُقُوعِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ إلَى نَائِبِ فَاعِلِهِ وَلَوْ قَالَ بِتَحَقُّقِ الْوُقُوعِ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي دُعَائِهِ لِلْأَصْحَابِ (قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِمَنْ إلَخْ) أَيْ بِجَامِعِ الدُّعَاءِ لِلسَّابِقِ سم (قَوْلُهُ إشَارَةً إلَخْ) وَلِأَنَّ الرَّحْمَةَ أَعَمُّ مِنْ الْمَغْفِرَةِ سم قَوْلُ الْمَتْنِ (مِنْ التَّصْنِيفِ) يَسْبِقُ لِلْفَهْمِ أَنَّهَا صِلَةُ أَكْثَرَ سم (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ) إلَى قَوْلِهِ وَأَخُصُّ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ إنَّهَا زَائِدَةٌ) أَيْ فِي الْإِثْبَاتِ سم عَلَى حَجّ أَيْ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ الْمُجِيزُ لِزِيَادَتِهَا فِي الْإِثْبَاتِ لَكِنَّ الْأَخْفَشَ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَجْرُورُهَا نَكِرَةً وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ رَشِيدِيٌّ وَقَدْ يُتَكَلَّفُ فَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا فِي قُوَّةِ مَا قَصَّرُوا فِي الْإِكْثَارِ فَهُوَ نَفْيٌ فِي الْمَعْنَى، وَبِأَنَّ أَلْ فِي التَّصْنِيفِ فَهُوَ نَكِرَةٌ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ الْمَعْنَى إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ الْمَعْنَى بِدُونِهِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا وَيَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] وقَوْله تَعَالَى {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البقرة: 25] .
وَقَدْ يُقَالُ مَا الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِ مِنْ هُنَا لِلتَّقْوِيَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاحْتِيجَ إلَيْهِ لِضَعْفِ الْعَامِلِ بِفَصْلِهِ بِالْجُمْلَةِ الدِّعَائِيَّةِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِيهِ تَعَسُّفٌ) وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الطَّرِيقِ الظَّاهِرِ ع ش (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ طَرَفٌ لِلنِّدَاءِ وَالتَّصْنِيفُ لَيْسَ ظَرْفًا لِلْإِكْثَارِ رَشِيدِيٌّ وع ش وَقَدْ يُقَالُ إنَّ التَّصْنِيفَ مَكَانٌ مَعْنَوِيٌّ لِلْكَثْرَةِ (قَوْلُهُ جَاوَزُوا الْإِكْثَارَ إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ سم وَلَعَلَّ وَجْهَ أَمْرِهِ بِالتَّأَمُّلِ أَنَّ حَلَّهُ لِلْمَتْنِ حِينَئِذٍ لَيْسَ عَلَى نَظِيرِ حَلِّهِ لِلْمِثَالِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عُمْرًا الَّذِي هُوَ مَدْخُولُ مِنْ فِيهِ مَفْعُولًا فَنَظِيرُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْ يُقَالَ تَجَاوَزُوا التَّصْنِيفَ فِي الْإِكْثَارِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنًى هُنَا رَشِيدِيٌّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مِنْ وُجُوهِهِ أَنَّ الْإِكْثَارَ لَا حَدَّ لَهُ يَقِفُ عِنْدَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْمُجَاوَزَةُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ أَصْنَافًا مُتَمَيِّزَةً) أَيْ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فَمُؤَلِّفُ الْكِتَابِ يُفْرِدُ الصِّنْفَ الَّذِي هُوَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ وَيُفْرِدُ كُلَّ صِنْفٍ مِمَّا هُوَ فِيهِ عَنْ الْآخِرَةِ فَالْفَقِيهُ يُفْرِدُ مَثَلًا الْعِبَادَاتِ عَنْ الْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوِهَا وَكَذَا الْأَبْوَابُ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ التَّصْنِيفُ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ مِنْ الْبِدَعِ إلَخْ خَبَرٌ (قَوْلُهُ فِي الْعُلُومِ الْوَاجِبَةِ) أَيْ عَيْنًا أَوْ كِفَايَةً (قَوْلُهُ مِنْ عِدَّةٍ) أَيْ عِلْمُ الْعُرُوضِ (قَوْلُهُ مِنْ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ) لَعَلَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْعِلْمِ عَنْ الضَّيَاعِ وَفِي الْكَنْزِ لِلْأُسْتَاذِ الْبَكْرِيِّ وَتَصْنِيفُ الْعِلْمِ مُسْتَحَبٌّ سم (قَوْلُهُ الَّتِي حَدَثَتْ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ تَفْسِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا يُعَدُّ تَصْنِيفًا (قَوْلُهُ فَقِيلَ عَبْدُ الْمَلِكِ إلَخْ) وَقِيلَ الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ وَقِيلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ) أَيْ كِفَايَةٌ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ لِحِفْظِ الْحُقُوقِ) لَعَلَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ لِنَحْوِ الْيَتِيمِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ قِيلَ) إلَى قَوْلِهِ وَالْإِيجَازُ فِي النِّهَايَةِ.
(قَوْلُهُ وَفِيهِ إنْ لَمْ يُجْعَلْ إلَخْ) وَيُجَابُ بِحَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ مِنْ تَصْنِيفِ الْمَبْسُوطَاتِ سم (قَوْلُهُ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ) فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ تُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَةِ كَلَامِ النُّحَاةِ فِي بَدَلِ الِاشْتِمَالِ وَنَبَّهَ عَلَى بَعْضِهَا هُنَا الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ رَشِيدِيٌّ عِبَارَةُ سم وَفِي كَوْنِهِ لِلِاشْتِمَالِ نَظَرٌ إذْ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ بَدَلُ كُلٍّ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ إنْ لَمْ يُؤَوَّلْ التَّصْنِيفُ بِالْمُصَنَّفِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) أَيْ الْمُرَادُ مِنْ الْعِبَارَةِ لَا أَنَّهُ كَانَ صِفَةً فِي الْأَصْلِ، ثُمَّ صَارَ بَدَلًا ع ش قَوْلُ الْمَتْنِ (مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ إلَخْ) أَيْ فِي الْفِقْهِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ هِيَ مَا كَثُرَ إلَخْ) الْأَوْلَى هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي تَذْكِيرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSيَكُونُ جَمْعًا لَهُ شُذُوذًا (قُلْت) وَهُوَ جَمْعٌ لِفَاعِلٍ شُذُوذًا فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ أَفْعَالًا مِمَّا حُفِظَ فِي فَاعِلٍ نَحْوُ جَاهِلٍ وَأَجْهَالٍ فَإِنْ ثَبَتَ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ صَحْبٍ شُذُوذًا وَإِلَّا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ صَاحِبٍ شُذُوذًا فَتَخْصِيصُ الْأَوَّلِ تَحَكُّمٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِيهِ اقْتِدَاءٌ) أَيْ بِجَامِعِ الدُّعَاءِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ قُلْت إشَارَةً إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ أَيْضًا الرَّحْمَةُ أَعَمُّ مِنْ الْمَغْفِرَةِ (قَوْلُهُ مِنْ التَّصْنِيفِ) يَسْبِقُ لِلْفَهْمِ أَنَّهَا صِلَةُ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ زَائِدَةٌ) أَيْ فِي الْإِثْبَاتِ (قَوْلُهُ جَاوَزَا الْإِكْثَارَ) فِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ مِنْ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ) لَعَلَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْعِلْمِ عَنْ الضَّيَاعِ وَفِي الْكَنْزِ لِلْأُسْتَاذِ الْبَكْرِيِّ وَتَصْنِيفُ الْعِلْمِ مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ وَفِيهِ إنْ لَمْ يُجْعَلْ إلَخْ) يُجَابُ بِحَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ مِنْ تَصْنِيفِ الْمَبْسُوطَاتِ إلَخْ (قَوْلُهُ أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ) أَيْ أَوْ بَدَلُ كُلٍّ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مِنْ تَصْنِيفِ إلَخْ

الصفحة 33