كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

(وَالْمُخْتَصَرَاتِ) هِيَ مَا قَلَّ لَفْظُهَا وَكَثُرَ مَعْنَاهَا قِيلَ وَالْإِيجَازُ لِكَوْنِهِ حَذْفَ طُولِ الْكَلَامِ وَهُوَ الْإِطْنَابُ غَيْرُ الِاخْتِصَارِ؛ لِأَنَّهُ حَذْفُ تَكْرِيرِهِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى وَيَشْهَدُ لَهُ {فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصلت: 51] وَفِيهِ تَحَكُّمٌ وَاسْتِدْلَالٌ بِمَا لَا يَدُلُّ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ حَذْفُ ذَلِكَ الْعَرْضِ فَضْلًا عَنْ تَسْمِيَتِهِ فَالْحَقُّ تَرَادُفُهُمَا كَمَا فِي الصِّحَاحِ

(وَأَتْقَنُ) أَحْكَمَ كُلَّ (مُخْتَصَرٍ) مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ فَفِيهِ تَفْضِيلٌ مُسَوِّغٌ لِلِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ إذَا اجْتَمَعَتْ مَعْرِفَةٌ وَنَكِرَةٌ تَعْيِينُ كَوْنِ الْمَعْرِفَةِ الْمُبْتَدَأَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ مَحَلُّهَا فِي نَكِرَةٍ غَيْرِ اسْمِ اسْتِفْهَامٍ نَحْوُ كَمْ مَالُكَ وَغَيْرُ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ نَحْوُ خَيْرٌ مِنْك زَيْدٌ فَفِي هَذَيْنِ يَتَعَيَّنُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ النَّكِرَةُ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِتَعَارُضِ دَلِيلَيْ الْجُمْهُورِ وَسِيبَوَيْهِ.
وَذَكَرَ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ أَنَّ كَوْنَ النَّكِرَةِ الْمُبْتَدَأَ أَيْ فِي غَيْرِ صُورَتَيْ سِيبَوَيْهِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْفُصَحَاءِ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ الْمُجَوِّزِ لِلْحُكْمِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا لِلْآخَرِ وَعَلَيْهِ فَهُوَ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ ابْنِ هِشَامٍ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمُسَوِّغُ فَهُوَ عِنْدَ ابْنِ هِشَامٍ تَعَارُضُ الدَّلِيلَيْنِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ اعْتِبَارُ الْقَلْبِ فَإِنْ قُلْت خَصَّ الرَّضِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ كَوْنَ أَفْعَلُ الْمُبْتَدَأَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ بِمَا إذَا وَقَعَ جُزْءًا لِجُمْلَةٍ وَقَعَتْ صِفَةً لِنَكِرَةٍ كَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ أَفْضَلَ مِنْهُ أَبُوهُ قُلْت هَذَا اسْتِرْوَاحٌ تَوَهَّمُوهُ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ وَغَفَلُوا عَنْ كَوْنِ سِيبَوَيْهِ مَثَّلَ بِخَيْرٌ مِنْك زَيْدٌ كَمَا رَأَيْته فِي كِتَابِهِ وَهَذَا يُبْطِلُ مَا اشْتَرَطُوهُ وَلَمَّا كَانَ الْمُحَقِّقُونَ كَابْنِ هِشَامٍ وَغَيْرِهِ مُسْتَحْضِرِينَ لِكَلَامِهِ مَثَّلُوا بِمِثَالِهِ هَذَا وَأَعْرَضُوا عَنْ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطِ الَّذِي زَعَمَهُ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ سَمِعْنَا مِنْ مُحَقِّقِي مَشَايِخِنَا أَنَّ نَقْلَ هَؤُلَاءِ مُقَدَّمٌ عَلَى نَقْلِ الْعَجَمِ لِاسْتِرْوَاحِهِمْ فِيهِ كَثِيرًا وَتَعْوِيلِهِمْ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَعْقُولِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَنْقُولِ فَإِنْ قُلْت الْمُنَاسِبُ لِلسِّيَاقِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ مَدْحُ الْمُحَرَّرِ وُصْلَةً لِمَدْحِ كِتَابِهِ كَوْنُ الْمُحَرَّرِ هُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بالْأَتْقَنِيَّةِ فَلِمَ عَكَسْتُهُ.
قُلْت؛ لِأَنَّ تَخْرِيجَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ الْأَبْلَغِ اقْتَضَى ذَلِكَ وَالتَّقْدِيرُ إذَا أَكْثَرُوا مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ فَلَا حَاجَةَ لِلْمُحَرَّرِ وَلَا لِكِتَابِك فَأَجَابَ بِأَنَّهَا مَعَ كَثْرَتِهَا مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْأَتْقَنِيَّةِ وَأَتْقَنُهَا هُوَ الْمُحَرِّرُ فَاحْتِيجَ إلَيْهِ لِهَذِهِ الْأَتْقَنِيَّةِ الْمَحْصُورَةِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْإِعْرَابُ لِهَذَا الْغَرَضِ الْعَارِضِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْأَبْلَغِيَّةِ يُحْوِجُ لِذَلِكَ كَمَا يُعْرَفُ مِنْ أَسَالِيبِ الْبُلَغَاءِ (الْمُحَرَّرُ) الْمُهَذَّبُ الْمُنَقَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّمِيرِ (قَوْلُهُ هِيَ مَا قَلَّ لَفْظُهَا إلَخْ) بَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ مَوْجُودٌ قَطْعًا وَهُوَ مَا قَلَّ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ فَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ مَا قَلَّ لَفْظُهُ سَوَاءٌ كَثُرَ مَعْنَاهُ أَوْ لَا سم وَعِ ش (قَوْلُهُ وَالْإِيجَازُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ غَيْرُ الِاخْتِصَارِ خَبَرُهُ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ إلَخْ) عِلَّةً مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ طَرَفَيْ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ طُولُ الْكَلَامِ الْإِطْنَابُ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الِاخْتِصَارَ (قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ) أَيْ لِتَفْسِيرِ الِاخْتِصَارِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَجْعَلُ الِاخْتِصَارَ حَذْفَ عَرَضِ الْكَلَامِ، وَإِنَّ عَرَضَهُ هُوَ تَكْرِيرُهُ سم.
(قَوْلُهُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ) أَيْ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ الْحَذْفِ بِاسْمٍ هُوَ الِاخْتِصَارُ دُونَ اسْمٍ هُوَ الْإِيجَازُ كُرْدِيٌّ

(قَوْلُهُ مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ فَفِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَأَتْقَنُ مُخْتَصَرٍ) تَفْضِيلٌ أَيْ نَوْعُ تَفْضِيلٍ وَهُوَ التَّفْضِيلُ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ (قَوْلُهُ مُسَوِّغٌ لِلِابْتِدَاءِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ أَتْقَنَ مُبْتَدَأً لِجَوَازِ كَوْنِهِ خَبَرًا، وَالْمُبْتَدَأُ هُوَ الْمُحَرَّرُ بَلْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ، وَأَيْضًا الْإِضَافَةُ مُسَوِّغَةٌ لِلِابْتِدَاءِ سم (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ أَتْقَنَ مُبْتَدَأً مَعَ كَوْنِ الْخَبَرِ مَعْرِفَةً كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى إلَخْ) أَيْ نَحْوُ تَرْكِيبِ الْمُصَنِّفِ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَى أَفْعَلَ الْمُنَكَّرِ فَمَعْرِفَةٌ (قَوْلُهُ مَحَلُّهَا) أَيْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَرِدُ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ) أَيْ قَلْبِ الْمَعْنَى بِأَنْ جَعَلَ مَعْنَى أَحَدِهِمَا مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَالْآخَرِ حُكْمًا وَيَعْكِسُ كُرْدِيٌّ.
عِبَارَةَ سم عَلَى مُخْتَصَرِ السَّعْدِ بِأَنْ يُثْبِتَ لِأَحَدِ الْجُزْأَيْنِ حُكْمَ الْجُزْءِ الْآخَرِ وَعَكْسَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ كَوْنُ مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ، وَقَوْلُهُ فَهُوَ أَيْ مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمُسَوِّغُ) أَيْ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ (قَوْلُهُ قُلْت هَذَا) أَيْ التَّخْصِيصُ الْمَذْكُورُ أَقُولُ يَبْعُدُ كُلَّ بُعْدٍ اسْتِرْوَاحُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ بِرُمَّتِهِمْ، ثُمَّ لَا يُنَاسِبُ مَقَامَ الشَّارِحِ نِسْبَتُهُمْ إلَى الْخَطَأِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ الْمِثَالَ الْمَذْكُورَ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ مَعَ احْتِمَالِ عُذْرِ تَعَدُّدِ كِتَابِهِ أَوْ نُسَخِهِ أَوْ مَوْضِعِ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ وَتَصْرِيحِهِ فِي بَعْضِهَا بِاشْتِرَاطِ مَا ذَكَرُوهُ وَاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَقَوْلُهُ تَوَهَّمُوهُ أَيْ الرَّضِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالْجَمْعُ نَظَرًا لِمَعْنَى مِنْ الْمَوْصُولَةِ (قَوْلُهُ مَا اشْتَرَطُوهُ) أَيْ مِنْ وُقُوعِ أَفْعَلَ جَزَاءً جُمْلَةٌ صِفَةٌ لِنَكِرَةٍ (قَوْلُهُ إنْ نَقَلَ هَؤُلَاءِ) أَيْ عُلَمَاءُ الْعَرَبِ (قَوْلَهُ عَلَى التَّقْيِيدِ) مَصْدَرٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ قُلْت؛ لِأَنَّ تَخْرِيجَهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ مَعَ كَوْنِ الْمُحَرَّرِ هُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ قَالَهُ سم وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ جَعْلُ الْأَهَمِّ لِعَارِضِ الْمَقَامِ أَصْلًا مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ مُسْنَدًا مَطْلُوبًا لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ اقْتَضَى ذَلِكَ) أَيْ اخْتِيَارُ الْعَكْسِ (قَوْلُهُ فَأَجَابَ إلَخْ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ فَاحْتِيجَ إلَيْهِ لِهَذِهِ الْأَتْقَنِيَّةِ) قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الْمَعْنَى إلَى الْإِتْيَانِ بِصُورَةِ الْحَصْرِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ الزِّيَادَةُ عَلَى كُلِّ مَا عَدَاهُ مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي أَصْلِ الْمَعْنَى فَلَا يَتَصَوَّرُ مَعَهُ مُشَارِكٌ وَلَا أَبْلَغُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَصْرِيٌّ.
(قَوْلُهُ الْمُهَذِّبُ الْمُنَقِّي) تَفْسِيرٌ لِلْمُحَرَّرِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ لَا بِالنَّظَرِ لِحَالِ الْعَلَمِيَّةِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَفِي كَوْنِهِ لِلِاشْتِمَالِ أَنَّ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ بَدَلُ كُلٍّ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ إنْ لَمْ يُؤَوَّلُ التَّصْنِيفُ بِالْمُصَنَّفِ (قَوْلُهُ هِيَ مَا قَلَّ لَفْظُهَا) بَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ مَوْجُودٌ قَطْعًا، وَهُوَ مَا قَلَّ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ فَالْوَجْهُ تَفْسِيرُ الْمُخْتَصَرِ بِمَا يَشْمَلُهُ كَأَنْ يُقَالَ مَا قَلَّ لَفْظُهُ سَوَاءٌ كَثُرَ مَعْنَاهُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَجْعَلُ الِاخْتِصَارَ حَذْفَ عَرْضَ الْكَلَامِ وَأَنَّ عَرْضَهُ هُوَ تَكْرِيرُهُ

(قَوْلُهُ مُسَوِّغٌ لِلِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ) لَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ أَتْقَنَ مُبْتَدَأً لِجَوَازِ كَوْنِهِ خَبَرًا وَالْمُبْتَدَأُ هُوَ الْمُحَرَّرُ بَلْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ، وَأَيْضًا فَالْإِضَافَةُ مُسَوِّغَةٌ لِلِابْتِدَاءِ (قَوْلُهُ قُلْت لِأَنَّ تَخْرِيجَهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ مَعَ كَوْنِ الْمُحَرَّرِ هُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ

الصفحة 34