كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

وَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ جُزْئِيٌّ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ مِنْ الْأَعْلَامِ الْخَاصَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى وَمِنْ الْغَالِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَصْلَهُ الْإِلَهُ بِالنَّظَرِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ فَقَطْ، وَكَانَ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةَ تَوْحِيدٍ أَيْ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إلَّا ذَلِكَ الْوَاحِدُ الْحَقُّ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَفْهُومِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ أَوْ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمَعْبُودِيَّةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا كُلِّيٌّ انْحَصَرَ فِي فَرْدٍ فَلَا يَكُونُ عَلَمًا لِأَنَّ مَفْهُومَ الْعَلَمِ جُزْئِيٌّ فَقَدْ سَهَا وَلَزِمَهُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا تُفِيدُ تَوْحِيدًا كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مِنْ أَلِهِ بِكَسْرِ عَيْنِهِ إذَا تَحَيَّرَ لِتَحَيُّرِ الْخَلْقِ فِي مَعْرِفَتِهِ أَوْ بِفَتْحِهَا إذَا عَبَدَ أَوْ مِنْ لَاهَ إذَا ارْتَفَعَ أَوْ إذَا احْتَجَبَ، وَهَذَا لِكَوْنِهِ نَظَرًا لِأَصْلِهِ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ لَا يُنَافِي عَلَمِيَّتَهُ وَهُوَ عَرَبِيٌّ وَوُرُودُهُ فِي غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ تَوَافُقِ اللُّغَاتِ كَمَا أَنَّ الْحَقَّ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّ كُلَّ مَا قِيلَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ الْأَعْلَامِ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَرَبِيٌّ تَوَافَقَتْ فِيهِ اللُّغَاتُ وَلَا بِدَعَ أَنْ يَخْفَى عَلَى مِثْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَوْنُهُ عَرَبِيًّا كَمَا خَفِيَ عَلَيْهِ مَعْنَى فَاطِرٍ وَفَاتِحٍ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُحِيطُ بِاللُّغَةِ إلَّا نَبِيٌّ وَمُشْتَقٌّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَقَوْلُ أَبِي حَيَّانَ فِي نَهْرِهِ لَيْسَ مُشْتَقًّا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَعَلَّهُ أَرَادَ مِنْ النُّحَاةِ وَأَعْرَفُ الْمَعَارِفِ وَإِنْ كَانَ عَلَمًا

(الرَّحْمَنِ) هُوَ صِفَةٌ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى كَثِيرِ الرَّحْمَةِ جِدًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ أَصْلَهُ الْإِلَهُ (قَوْلُهُ وَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى حَالَتِهِ الرَّاهِنَةِ وَهِيَ اللَّهُ (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ لِأَجْلِ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ فَمَفْهُومُ الْجَلَالَةِ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِهِ كُلِّيٌّ إلَخْ (قَوْلُهُ كَانَ) أَيْ لَفْظُ الْجَلَالَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْغَالِبَةِ) أَيْ غَلَبَةً تَقْدِيرِيَّةً كَمَا مَرَّ عَنْ الْبُجَيْرَمِيِّ وَيُفِيدُهُ أَيْضًا قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي فَقَطْ (قَوْلُهُ وَكَانَ قَوْلُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ مِنْ الْأَعْلَامِ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَمَنْ زَعَمَ إلَخْ عِبَارَةُ الصَّبَّانِ وَقِيلَ إنَّهُ اسْمٌ لِمَفْهُومِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ إلَخْ وَرُدَّ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا إجْمَاعُهُمْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تُفِيدُ التَّوْحِيدَ وَلَوْ كَانَ اسْمًا لِمَفْهُومٍ كُلِّيٍّ لَمْ تُفِدْهُ لِأَنَّ الْكُلِّيَّ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَحْتَمِلُ الْكَثْرَةَ.
ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْمًا لِلْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ لَزِمَ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ مِنْ نَفْسِهِ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ إنْ أُرِيدَ بِإِلَهٍ فِيهَا الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ وَالْكَذِبُ إنْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْمَعْبُودِ لِكَثْرَةِ الْمَعْبُودَاتِ الْبَاطِلَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إلَهٌ فِيهَا بِمَعْنَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ، وَاَللَّهُ عَلَمًا وَضْعِيًّا لِلْفَرْدِ الْمَوْجُودِ مِنْهُ. أَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى هَذَا الْفَرْدِ الْمُنْحَصِرِ فِيهِ الْكُلِّيُّ إذْ لَا يَسَعُهُ إنْكَارُ ذَلِكَ، وَقَدْ نَقَلَ الشِّرْوَانِيُّ عَنْ الْخَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ أَطْبَقَ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا اللَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ تَعَالَى أَيْ إمَّا بِطَرِيقِ الْوَضْعِ أَوْ الْغَلَبَةِ، ثُمَّ رَأَيْت لِلْعَلَّامَةِ سم فِي حَوَاشِيهِ عَلَى مُخْتَصَرِ السَّعْدِ مَا يُرَشِّحُهُ حَيْثُ كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَكُونُ عَلَمًا مَا نَصُّهُ أَيْ بِالْأَصَالَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ عَلَى هَذَا قَدْ يُجْعَلُ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ اهـ وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ الْأَمْرَانِ الْمَذْكُورَانِ وَعَلَى هَذَا وَمَا سَبَقَ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ يَكُونُ اسْمُ الْجَلَالَةِ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ عَلَمًا بِاتِّفَاقِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ إلَّا أَنَّ عَلَمِيَّتَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مُتَأَصِّلَةٌ وَضْعِيَّةٌ وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ غَلَبِيَّةٌ طَارِئَةٌ اهـ.
وَقَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ عَلَمًا أَيْ بَلْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ صَبَّانٌ (قَوْلُهُ فَقَدْ سَهَا كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ) الَّذِي بَيَّنَهُ السَّعْدُ سم وَقَدْ مَرَّ عَنْ الصَّبَّانِ آنِفًا بَيَانُهُ بِأَمْرَيْنِ، ثُمَّ رَدَّهُمَا (قَوْلُهُ مِنْ إلَهٍ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَأَصْلُهُ إلَهٌ إلَخْ عِبَارَةُ الصَّبَّانِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَمٌ بِالْوَضْعِ فَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِيهِ فَقِيلَ إنَّهُ مَنْقُولٌ أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْ أَصْلٍ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ قَالَ الشَّيْخُ زَادَهْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمُشْتَقِّ فِي عِبَارَةِ مَنْ عَبَّرَ بِهِ لَا مُقَابِلُ الْأَعْلَامِ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ مِنْ الْوَصْفِ اهـ وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إلَى الْجُمْهُورِ غَيْرَ وَاحِدٍ كَالشَّرْوَانِيِّ فِي حَوَاشِي الْبَيْضَاوِيِّ وَقِيلَ مُرْتَجَلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا اشْتِقَاقَ بَلْ هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ ابْتِدَاءً لِذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْخَلِيلُ وَالْخَارِجِيُّ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَنَسَبَهُ إلَى سِيبَوَيْهِ وَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا فِي حَوَاشِي الْبَيْضَاوِيِّ عَلَى أَنَّهُ مَنْقُولٌ فَقِيلَ إنَّهُ مَنْقُولٌ مِنْ أَصْلٍ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَقِيلَ مِنْ لَاهَ يَلُوهُ لَوْهًا إذَا خَلَقَ، وَقِيلَ مِنْ لَاهَ يَلُوهُ لَيْهًا إذَا احْتَجَبَ أَوْ ارْتَفَعَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ أَقْوَالٍ أُخَرَ وَأَرْجَحُ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ مِنْ أَلِهَ إذَا عَبَدَ وَأَصْلُهُ إلَهٌ كَفِعَالٍ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا قَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ كَثْرَةُ دَوَرَانِ إلَهٍ كَفِعَالٍ وَاسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ وَإِطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ.
عِبَارَةُ النِّهَايَةِ مُتَفَرِّعًا عَلَى عَلَمِيَّتِهِ فَهُوَ مُرْتَجَلٌ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ وَنُقِلَ عَنْ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ أَيْضًا وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَلِهَ أَيْ بِكَسْرِ اللَّامِ بِمَعْنَى تَحَيَّرَ إلَخْ (قَوْلُهُ إذَا تَحَيَّرَ إلَخْ) فَإِلَهٌ بِمَعْنَى مَأْلُوهٍ فِيهِ وَقَوْلُهُ إذَا عَبَدَ فَإِلَهٌ بِمَعْنَى مَأْلُوهٍ كَكِتَابٍ بِمَعْنَى مَكْتُوبٍ صَبَّانٌ (قَوْلُهُ إذَا ارْتَفَعَ إلَخْ) أَيْ فَإِلَهٌ بِمَعْنَى آلِهٍ اسْمِ فَاعِلٍ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْأَخْذُ مِمَّا ذُكِرَ (قَوْلُهُ نَظَرًا إلَخْ) عِلَّةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ لِأَصْلِهِ) أَيْ أَصْلِ اللَّهِ وَهُوَ إلَهٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ عَرَبِيٌّ) خِلَافًا لِلْبَلْخِيِّ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ نِهَايَةٌ عِبَارَةُ الصَّبَّانِ، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ عَرَبِيٌّ وَضْعًا وَقِيلَ عَجَمِيٌّ وَضْعًا، وَأَصْلُهُ قِيلَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَقِيلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ لَاهَا فَعُرِّبَ بِحَذْفِ الْأَلِفِ الْأَخِيرَةِ وَإِدْخَالِ أَلْ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَانِيِّينَ أَوْ السُّرْيَانِيِّينَ يَقُولُونَ لَاهَا كَثِيرًا وَمَعْنَاهُ مَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ اهـ (قَوْلُهُ كَوْنُهُ إلَخْ) أَيْ مَا قِيلَ فِي الْقُرْآنِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِقَوْلِهِ وَلَا بِدَعَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمُشْتَقٌّ إلَخْ) كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ عَرَبِيٌّ لِمَا قَدَّمْنَا عَنْ الصَّبَّانِ عَنْ الشَّيْخِ زَادَهْ (قَوْلُهُ وَأَعْرَفُ الْمَعَارِفِ إلَخْ) فَقَدْ حُكِيَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك فَقَالَ خَيْرًا كَثِيرًا لِجَعْلِي اسْمَهُ أَعْرَفَ الْمَعَارِفِ نِهَايَةٌ

(قَوْلُهُ بِمَعْنَى كَثِيرِ الرَّحْمَةِ جِدًّا) اعْلَمْ أَنَّهُمْ عَبَّرُوا بِأَنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ وَقَدْ تُوُهِّمَ إشْكَالُهُ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ الْخَمْسَةِ وَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ مَا يَنْحَصِرُ فِي الْخَمْسَةِ هُوَ مَا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ بِالصِّيغَةِ، وَمَا هُنَا مِمَّا يُفِيدُهَا بِالْمَادَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ جُزْئِيٌّ) أَيْنَ مَرْجِعُ هَذَا الضَّمِيرِ (قَوْلُهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ) الَّذِي بَيَّنَهُ السَّعْدُ

(قَوْلُهُ بِمَعْنَى كَثِيرِ الرَّحْمَةِ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ عَبَّرُوا بِأَنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ، وَقَدْ تَوَهَّمَ إشْكَالَهُ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ الْخَمْسَةِ وَلَا

الصفحة 8