كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْبَالِغِ فِي الرَّحْمَةِ وَالْإِنْعَامِ بِحَيْثُ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى وَغَلَبَةُ عَلَمِيَّتِهِ الْمُقْتَضِيَةِ لِإِعْرَابِهِ بَدَلًا هُنَا لَا تَمْنَعُ اعْتِبَارَ وَصْفِيَّتِهِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ نَعْتًا بِاعْتِبَارِهَا لِوُقُوعِهِ صِفَةً وَلِكَوْنِهِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى وَمَجِيئِهِ غَيْرَ تَابِعٍ لِلْعَلَمِ بِحَذْفِ مَوْصُوفِهِ، وَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَعَدَمُهُ لِتَعَارُضِ سَبَبَيْهِمَا (الرَّحِيمِ) أَيْ ذِي الرَّحْمَةِ الْكَثِيرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قُلْت قَدْ يُشْكِلُ الْحَصْرُ فِي الْخَمْسَةِ بِقَوْلِهِمْ إنَّ نَحْوَ التَّرْحَالِ وَالتَّحْوَالِ وَالتَّرْدَادِ بِفَتْحِ التَّاءِ فِي الْجَمِيعِ مَصَادِرُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ قُلْت لَا إشْكَالَ لِأَنَّ تِلْكَ الْخَمْسَةَ لِأَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ لَا مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ سم عِبَارَةُ الصَّبَّانِ وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِمْ مَوْضُوعَتَانِ لِلْمُبَالَغَةِ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ أَنَّ صِيَغَ الْمُبَالَغَةِ مَحْصُورَةٌ فِي خَمْسٍ فَعَّالٍ وَمِفْعَالٍ وَفَعُولٍ وَفَعِلٌ وَفَعِيلٌ الْعَامِلُ نَصْبًا وَالصِّفَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ لَيْسَتَا مِنْهَا أَمَّا الرَّحْمَنُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الرَّحِيمُ فَلِأَنَّهُ هُنَا غَيْرُ عَامِلٍ نَصْبًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَحْصُورَ فِي الْخَمْسَةِ مَا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ إلَخْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ كَوْنُهُمْ قَصَدُوا الْحَصْرَ فِي الْخَمْسِ الثَّانِي أَنَّ الْمُبَالَغَةَ هِيَ أَنْ تَنْسِبَ لِلشَّيْءِ أَكْثَرَ مِمَّا هُوَ لَهُ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا فِي نِهَايَةِ الْكَمَالِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ الْمُفَسَّرَةَ بِمَا ذُكِرَ هِيَ الْمُبَالَغَةُ الْبَيَانِيَّةُ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا حَتَّى يَتَوَجَّهَ الِاعْتِرَاضُ بَلْ الْمُرَادُ بِالْمُبَالَغَةِ هُنَا قُوَّةُ الْمَعْنَى أَوْ كَثْرَةُ أَفْرَادِهِ.
الثَّالِثُ أَنَّ وَضْعَهُمَا لِلْمُبَالَغَةِ يُنَافِي كَوْنَهُمَا صِفَتَيْنِ مُشَبَّهَتَيْنِ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُشَبَّهَةَ لِلدَّوَامِ وَالْمُبَالَغَةُ كَثْرَةُ الْأَفْرَادِ الْمُتَجَدِّدَةِ أَقُولُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِمَا صِفَتَيْنِ مُشَبَّهَتَيْنِ أَنَّهُمَا عَلَى صُورَةِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ، وَبِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِالدَّوَامِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِطَرِيقِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ مَا يَشْمَلُ دَوَامَ تَجَدُّدِ الْأَفْرَادِ، وَقَدْ رَجَّحَ الشِّهَابُ أَيْ الْخَفَاجِيُّ كَوْنَهُمَا مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ وَضَعَّفَ كَوْنَهُمَا مِنْ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ حَقِيقَةً بِمَا يَطُولُ فَانْظُرْهُ فِي حَوَاشِيهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ غَلَبَ إلَخْ) أَيْ غَلَبَةً تَقْدِيرِيَّةً (قَوْلُهُ عَلَى الْبَالِغِ فِي الرَّحْمَةِ) أَيْ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ غَايَتُهَا (قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى) أَيْ وَتَسْمِيَةُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ مُسَيْلِمَةَ بِهِ تَعَنُّتٌ فِي الْكُفْرِ فَخَرَجُوا بِمُبَالَغَتِهِمْ فِي الْكُفْرِ عَنْ مَنْهَجِ اللُّغَةِ حَتَّى اسْتَعْمَلُوا الْمُخْتَصَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ، وَقِيلَ إنَّهُ شَاذٌّ لَا اعْتِدَادَ بِهِ، وَقِيلَ الْمُخْتَصُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ وَمَذْهَبُ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى شَرْعًا قَالَ الصَّبَّانُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ عَلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَغَلَبَةُ عَلَمِيَّتِهِ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ الْمُقْتَضِيَةُ صِفَتُهُ وَقَوْلُهُ لَا تَمْنَعُ إلَخْ خَبَرُهُ (قَوْلُهُ بَدَلًا) أَيْ أَوْ بَيَانًا صَبَّانٌ (قَوْلُهُ اعْتِبَارَ وَصْفِيَّتِهِ) أَيْ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ لِوُقُوعِهِ صِفَةً إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ هُوَ صِفَةٌ فِي الْأَصْلِ عِبَارَةُ الصَّبَّانِ وَكَوْنُ الرَّحْمَنِ صِفَةً هُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِوُقُوعِهِ نَعْتًا، وَلِأَنَّ مَعْنَاهُ الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ لَا الذَّاتُ الْمَخْصُوصَةُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَمًا لَأَفَادَ لَا إلَهَ إلَّا الرَّحْمَنُ التَّوْحِيدَ صَرِيحًا كَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَذَهَبَ الْأَعْلَمُ وَابْنُ مَالِكِ وَابْنُ هِشَامٍ إلَى أَنَّهُ عَلَمٌ أَيْ بِالْغَلَبَةِ كَمَا فِي ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ وَاسْتَدَلُّوا بِمَجِيئِهِ كَثِيرًا غَيْرَ تَابِعٍ كَمَا فِي {الرَّحْمَنُ} [الرحمن: 1] {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 2] {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 60] وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُنْتِجُ أَعَمَّ مِنْ الْمُدَّعِي وَلَا يُنْتِجُ الْمُدَّعِي إلَّا بِمَعُونَةٍ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَلَمٍ وَلَا صِفَةٍ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الرَّصَّاعِ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا الِاسْمِيَّةُ، وَلَيْسَ بِعَلَمٍ كَأَبْطَحَ وَأَجْرَعَ وَالنَّعْتُ بِهِ بِاعْتِبَارِ وَصْفِيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَأَمَّا رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِجَوَازِ تَبَعِيَّتِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْآيَاتِ لِمَوْصُوفٍ مُقَدَّرٍ لِجَوَازِ حَذْفِ الْمَوْصُوفِ إذَا عُلِمَ فَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ حَذْفَ الْمَوْصُوفِ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذِكْرِهِ وَاسْتِدْلَالُهُمْ إنَّمَا هُوَ بِكَثْرَةِ مَجِيئِهِ غَيْرَ تَابِعٍ اهـ وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَجِيءَ الرَّحْمَنِ غَيْرَ تَابِعٍ دَلِيلٌ وَمُقَوٍّ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَعْلَمُ وَمَنْ مَعَهُ الَّذِي إلَيْهِ مَيْلُ كَلَامِ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي.
وَكَلَامُ الشَّارِحِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ فَرَدُّ الشَّارِحِ لَهُ بِأَنَّهُ لِلْعِلْمِ بِحَذْفِ مَوْصُوفِهِ لَوْ سُلِّمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ (قَوْلُهُ لِلْعِلْمِ بِحَذْفِ مَوْصُوفِهِ) أَقُولُ أَوْ بِالنَّظَرِ لِعِلْمِيَّتِهِ الْغَالِبَةِ سم (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَعَدَمُهُ) هُمَا قَوْلَانِ سم فَمَنْ يَقُولُ إنَّ شَرْطَ الْأَلِفِ وَالنُّونِ فِي الصِّفَةِ انْتِفَاءُ فَعْلَانَةَ يَمْنَعُ صَرْفَهُ وَمَنْ يَقُولُ إنَّهُ وُجُودٌ فِعْلِيٌّ يَصْرِفُهُ قَالَ الصَّبَّانُ، وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي اخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ أَنَّ رَحْمَنَ مُجَرَّدًا مِنْ أَلْ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْغَالِبِ فِي بَابِهِ قَالَ السُّيُوطِيّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعَارَضَ فِيهِ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ فِي النَّحْوِ، وَمَالَ السَّعْدُ إلَى جَوَازِ صَرْفِهِ وَعَدَمِهِ عَمَلًا بِالْأَمْرَيْنِ قَالَ الْعِصَامُ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ اشْتَبَهَ حَالُ رَحْمَنَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ مِنْ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالْبَيَانِ حَتَّى بَنَوْا أَمْرَهُمْ فِيهِ عَلَى الْمَعْقُولِ، وَلَمْ يَعْثُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى الْمَنْقُولِ، وَلَمْ يَكْشِفْ عَنْ الْمَعْمُولِ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ قُلْت كَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوهُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا نُقِلَ عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSإشْكَالٌ لِأَنَّ مَا يَنْحَصِرُ فِي الْخَمْسَةِ هُوَ مَا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ بِالصِّيغَةِ وَمَا هُنَا مِمَّا يُفِيدُهَا بِالْمَادَّةِ كَالْجُودِ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ قُلْت) قَدْ يُشْكَلُ الْحَصْرُ فِي الْخَمْسَةِ بِقَوْلِهِمْ إنَّ نَحْوَ التَّرْحَالِ وَالتَّحْوَالِ وَالتَّرْدَادِ بِفَتْحِ التَّاءِ فِي الْجَمْعِ مَصَادِرُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ (قُلْت) لَا إشْكَالَ لِأَنَّ تِلْكَ الْخَمْسَةَ لِأَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ لَا مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلْعِلْمِ بِحَذْفِ مَوْصُوفِهِ) أَقُولُ أَوْ بِالنَّظَرِ لِعِلْمِيَّتِهِ الْغَالِبَةِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَعَدَمُهُ) هُمَا قَوْلَانِ (قَوْلُهُ

الصفحة 9