كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 2)

رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى تَمَامِ قِيَامِهِ (وَ) مِنْ جُمْلَتِهِ أَيْضًا أَنَّهُ (يَقُولُ) بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ فِيهِ (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) وَبِحَمْدِهِ (ثَلَاثًا) لِلِاتِّبَاعِ وَصَحَّ أَنَّهُ «لَمَّا أُنْزِلَ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قَالَ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ وَرَدَ: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ إذَا كَانَ سَاجِدًا، فَخُصَّ بِالْأَعْلَى أَيْ عَنْ الْجِهَاتِ وَالْمَسَافَاتِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ بِالْأَقْرَبِيَّةِ ذَلِكَ، وَقِيلَ لِأَنَّ الْأَعْلَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ الْعَظِيمِ وَالسُّجُودُ أَبْلَغُ فِي التَّوَاضُعِ فَجَعَلَ الْأَبْلَغَ لِلْأَبْلَغِ وَأَقَلُّهُ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ وَأَكْمَلُهُ إحْدَى عَشْرَةَ وَدُونَهُ تِسْعٌ فَسَبْعٌ فَخَمْسٌ فَثَلَاثٌ فَهِيَ أَدْنَى كَمَالِهِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ) عَلَيْهَا إلَّا بِالشُّرُوطِ الْمَارَّةِ فِي الِافْتِتَاحِ (وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ) نَدْبًا وَمِثْلُهُ مَأْمُومٌ طَوَّلَ إمَامُهُ (اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي) وَشَعَرِي وَبَشَرِي (وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي) بِالْإِفْرَادِ وَإِلَّا لَقَالَ: قَدَمَايَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِوُرُودِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلْيُصَدَّقْ حِينَئِذٍ لِئَلَّا يَكُونَ كَاذِبًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ بِصُورَةِ الْخَاشِعِ وَإِنَّمَا وَجَبَ لِلْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ الْأَخِيرِ ذِكْرٌ لِيَتَمَيَّزَا عَنْ صُورَتِهِمَا الْعَادِيَّةِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إذْ لَا صُورَةَ لَهُمَا عَادَةً يُمَيَّزَانِ عَنْهَا وَأَلْحَقَ بِهِمَا الِاعْتِدَالَ وَالْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِأَنَّ اكْتِنَافَهُمَا بِمَا قَبْلَهُمَا وَمَا بَعْدَهُمَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ الْعَادِيِّ عَلَى أَنَّهُمَا وَسِيلَتَانِ لَا مَقْصُودَتَانِ وَيُسَنُّ فِيهِ كَالسُّجُودِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لِلنَّهْيِ عَنْهَا.

(السَّادِسُ الِاعْتِدَالُ قَائِمًا) أَوْ قَاعِدًا مَثَلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَ (قَوْلُهُ رَفَعَ رَأْسَهُ) أَيْ مِنْ السُّجُودِ (قَوْلُهُ وَبِحَمْدِهِ) إلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ قِيلَ، وَكَذَا فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ أَنَّهُ وَرَدَ إلَى لِأَنَّ الْأَعْلَى (قَوْلُهُ وَبِحَمْدِهِ) مَعْنَاهُ أُسَبِّحُهُ حَامِدًا لَهُ أَوْ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَهُ وَالتَّسْبِيحُ لُغَةً التَّنْزِيهُ وَالتَّبْعِيدُ تَقُولُ سَبَّحْت فِي الْأَرْضِ إذَا أَبْعَدْت مُغْنِي (قَوْلُهُ لَمَّا نَزَلَ) وَفِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي نَزَلَتْ بِالتَّاءِ (قَوْلُهُ فَلَمَّا نَزَلَتْ إلَخْ) كَأَنَّ نُكْتَةَ التَّعْبِيرِ هُنَا بِالْفَاءِ الْإِشْعَارَ بِتَأَخُّرِ نُزُولِ هَذِهِ عَنْ تِلْكَ وَهَلْ التَّعْقِيبُ مُرَادٌ مَحَلُّ نَظَرٍ وَنُكْتَةُ تَأْنِيثِ الْفِعْلِ هُنَا دُونَ مَا سَبَقَ التَّفَنُّنُ وَالْإِشْعَارُ بِجَوَازِ الْأَمْرَيْنِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ وَحِكْمَتُهُ) أَيْ تَخْصِيصُ الْأَعْلَى بِالسُّجُودِ مُغْنِي (قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ قُرْبُ الْجِهَةِ وَالْمَسَافَةِ (قَوْلُهُ فَجَعَلَ الْأَبْلَغَ لِلْأَبْلَغِ) أَيْ وَالْمُطْلَقَ مَعَ الْمُطْلَقِ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ) أَيْ التَّسْبِيحِ (فِيهِمَا) أَيْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (قَوْلُهُ وَاحِدَةٌ) أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ ع ش (قَوْلُهُ وَأَكْمَلُهُ إحْدَى عَشْرَةَ) كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ بَلْ يَزِيدُ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ مُغْنِي.
(قَوْلُهُ عَلَيْهَا) إلَى قَوْلِهِ وَلْيَصْدُقْ فِي الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَمِثْلُهُ إلَى الْمَتْنِ (قَوْلُهُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الثَّلَاثِ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَوْلُ الْمَتْنِ (لَك رَكَعْت إلَخْ) إنَّمَا قَدَّمَ الظَّرْفَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لِأَنَّ فِيهَا رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ كَانُوا يَعْبُدُونَ مَعَهُ تَعَالَى غَيْرَهُ وَأَخَّرَهُ فِي قَوْلِهِ خَشَعَ إلَخْ لِأَنَّ الْخُشُوعَ لَيْسَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَنْسُبُونَهَا إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِمْ فِيهَا ع ش وَإِذَا تَعَارَضَ هَذَا الدُّعَاءُ وَالتَّسْبِيحَاتُ قَدَّمَهَا وَيُقَدِّمُ التَّسْبِيحَاتِ الثَّلَاثَ مَعَ هَذَا الدُّعَاءِ عَلَى أَكْمَلِ التَّسْبِيحِ وَهُوَ إحْدَى عَشَرَ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ خَشَعَ لَك إلَخْ) يَقُولُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِهِ وِفَاقًا لِمَرِّ ع ش (قَوْلُهُ سَمْعِي وَبَصَرِي) كَأَنَّ الْحِكْمَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ دُونَ بَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وُقُوعَ الْعَبَثِ بِهِمَا غَالِبًا وَفِي تَعْمِيمِ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ وُقُوعُهُ بِجَمِيعِهَا عَادَةً وَفِي الْإِعْرَاضِ عَنْ الْقُوَى الْبَاطِنَةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَوْنُهَا مِنْ الْأُمُورِ الدَّقِيقَةِ الَّتِي تُصَانُ أَفْهَامُ الْعَوَامّ عَنْهَا بَصْرِيٌّ قَوْلُ الْمَتْنِ (وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي) أَيْ حَمَلَتْهُ وَهُوَ جَمِيعُ الْجَسَدِ فَيَكُونُ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ شَرْحُ بَافَضْلٍ.
(قَوْلُهُ وَلْيَصْدُقْ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِنْشَاءُ وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ فَلْيُتَأَمَّلْ بَصْرِيٌّ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الصِّدْقَ بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْخَبَرِ أَوْ الدُّعَاءِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا وَجَبَ) إلَى الْمَتْنِ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ وَأُلْحِقَ إلَى وَيُسَنُّ (قَوْلُهُ يُمَيَّزَانِ عَنْهَا) يَعْنِي حَتَّى يَحْتَاجَا إلَى التَّمْيِيزِ عَنْهَا (قَوْلُهُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِالتَّسْبِيحِ وَأَنْ يَقُولَهُ ثَلَاثًا ع ش (قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ) إلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ إلَخْ) وَفِي سم عَلَى الْمَنْهَجِ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ كَرَاهَتِهَا إذَا قَصَدَ بِهَا الْقُرْآنَ فَإِنْ قَصَدَ بِهَا الدُّعَاءَ وَالثَّنَاءَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَمَا لَوْ قَنَتَ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ اهـ أَيْ فَلَا تَكُونُ مَكْرُوهَةً وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ قَصْدِ الْقُرْآنِ مَا لَوْ أَطْلَقَ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْقُنُوتِ ع ش (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ) أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي

قَوْلُ الْمَتْنِ (الِاعْتِدَالُ) أَيْ وَلَوْ فِي النَّافِلَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَالَ ع ش وَكَالِاعْتِدَالِ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي أَنَّهُ رُكْنٌ وَلَوْ فِي نَفْلٍ وَهَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي النَّفْلِ وَعَلَى مَا قَالَهُ فَهَلْ يَخِرُّ سَاجِدًا مِنْ رُكُوعِهِ بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ أَوْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَلِيلًا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ قَاعِدًا) إلَى قَوْلِهِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ مَثَلًا (قَوْلُهُ أَوْ قَاعِدًا إلَخْ) وَلَوْ رَكَعَ عَنْ قِيَامٍ فَسَقَطَ عَنْ رُكُوعِهِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ عَادَ وُجُوبًا إلَيْهِ وَاطْمَأَنَّ ثُمَّ اعْتَدَلَ أَوْ سَقَطَ عَنْهُ بَعْدَهَا نَهَضَ مُعْتَدِلًا ثُمَّ سَجَدَ وَإِنْ سَجَدَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَتَمَّ اعْتِدَالَهُ اعْتَدَلَ وُجُوبًا ثُمَّ سَجَدَ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ قَالَ الرَّشِيدِيُّ وَع ش قَوْلُهُ م ر اعْتَدَلَ وُجُوبًا إلَخْ أَيْ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُومٍ كَمَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي التَّكْبِيرِ (قَوْلُهُ وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَأَنْ يُسَبِّحَ اللَّهَ سِرًّا فِي رُكُوعِهِ وَأَقَلُّهُ مَرَّةً وَأَدْنَى كَمَالِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا وَأَعْلَاهُ لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامٍ مَحْصُورَيْنِ رَاضِيَيْنِ إلَى إحْدَى عَشْرَةَ بِالْأَوْتَارِ ثُمَّ اللَّهُمَّ

الصفحة 61