كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 2)
أَيْ الْمَنْقُولُ مِنْهُ هُنَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَفْضَلُ) مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحِيطُ بِاللَّائِقِ بِكُلِّ مَحَلٍّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَمِنْهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت) لَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ طَلَبٌ قَبْلَ الْوُقُوعِ أَنْ يَغْفِرَ إذَا وَقَعَ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحِيلُ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ الْآنَ لِمَا سَيَقَعُ (إلَى آخِرِهِ) «وَهُوَ مَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت وَمَا أَسْرَفْت وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ أَيْضًا «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ» أَيْ بِالْحَاءِ لِأَنَّهُ يَمْسَحُ الْأَرْضَ كُلَّهَا إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَبِالْخَاءِ لِأَنَّهُ مَمْسُوخُ الْعَيْنِ الدَّجَّالِ أَيْ الْكَذَّابِ وَأَوْجَبَ هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَيَنْدُبُ التَّعْمِيمُ فِي الدُّعَاءِ لِخَبَرِ الْمُسْتَغْفِرِيِّ مَا مِنْ دُعَاءٍ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ مِنْ قَوْلِ الْعَبْدِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ مَغْفِرَةً عَامَّةً وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي فَقَالَ وَيْحك لَوْ عَمَّمْت لَاسْتُجِيبَ لَك وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ ضَرَبَ مَنْكِبَ مَنْ قَالَ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي ثُمَّ قَالَ لَهُ عَمِّمْ فِي دُعَائِك فَإِنَّ بَيْنَ الدُّعَاءِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ مَنَعَ الدُّعَاءَ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْمُسْلِمِينَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا وَلَوْ عَامَّةً عَدَمُ دُخُولِ بَعْضٍ النَّارَ لِصِدْقِهَا بِأَنْ تَعُمَّ أَفْرَادَ الْمُسْلِمِينَ دُونَ مَا عَلَيْهِمْ فَإِنْ نَوَى بِعُمُومِهَا هَذَا أَيْضًا لَوْ امْتَنَعَ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ كُفْرًا لِمُخَالَفَتِهِ مَا عُلِمَ قَطْعًا ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ جَمْعٍ مِنْهُمْ النَّارَ.
(وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ) الْإِمَامُ فِي الدُّعَاءِ (عَلَى قَدْرِ) أَقَلِّ (التَّشَهُّدِ وَ) أَقَلُّ (الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا سَبَقَ مِنْهُ قَبْلَ هَذَا الدُّعَاءِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَالرَّذَالَةِ (قَوْلُهُ الْمَنْقُولُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدُّعَاءِ (قَوْلُهُ وَمَا أَسْرَفْت) كَانَ وَجْهُ التَّعْبِيرِ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي مِنْ الْمَعْصِيَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى اللَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ بِمَا ذَكَرَ هُوَ تَشْبِيهُ صَرْفِ أَوْقَاتِ الْعُمْرِ فِيهَا بِصَرْفِ الْمَالِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ الْمُسَمَّى بِالْإِسْرَافِ، وَهَذَا مَعْنًى دَقِيقٌ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُحَرَّرْ وَ (قَوْلُهُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي) كَأَنَّ النُّكْتَةَ فِي ذِكْرِ مِنِّي مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ هُوَ أَنَّ الشَّخْصَ أَدْرَى بِحَالِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُهُ أَعْلَمِيَّتُهُ تَعَالَى مِنْ الْغَيْرِ بِالْأَوْلَى، وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ التَّصْرِيحِ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَقْصُودِ وَ (قَوْلُهُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ) أَيْ الْمُوجِدُ بِالْحَقِيقَةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ مِنِّي بِحَسَبِ الصُّورَةِ وَ (قَوْلُهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ) عَقِبَهُ كَالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ حَقَّ تَأَمُّلِهِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُوجِدُ بِالْحَقِيقَةِ إلَخْ) وَأَوْلَى مِنْهُ أَيْ الْمُوَصِّلُ لِلْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ بِالتَّوْفِيقِ، وَالْمَانِعُ وَالْمُنْزِلُ عَنْهَا بِالْخِذْلَانِ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَيْضًا إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَمِنْهُ أَيْضًا «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» اهـ. قَالَ ع ش قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ قَالَ فِي الْقُوتِ هَذَا مُتَأَكِّدٌ فَقَدْ صَحَّ الْأَمْرَ بِهِ وَأَوْجَبَهُ قَوْمٌ وَأَمَرَ طَاوُسٌ ابْنَهُ بِالْإِعَادَةِ لِتَرْكِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتِمَ بِهِ دُعَاءَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِفِتْنَةِ الْمَمَاتِ الْفِتْنَةُ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَأَضَافَهَا لِلْمَمَاتِ لِاتِّصَالِهَا بِهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا يَحْصُلُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَالْفِتْنَةِ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ وَهَذَا أَظْهَرُ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ عِنْدَ الْمَوْتِ شَمِلَتْهُ فِتْنَةُ الْمَحْيَا انْتَهَى عَلْقَمِيٌّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَأَوْجَبَ هَذَا إلَخْ) فَكَانَ أَفْضَلَ مِمَّا فِي الْمَتْنِ شَرْحُ بَافَضْلٍ (قَوْلُهُ وَفِي ذَلِكَ) أَيْ فِي خَبَرِ الْمُسْتَغْفِرِيِّ وَمَا ذَكَرَ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ مَنَعَ إلَخْ) وَفِي سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ وَقَدْ يَكُونُ الدُّعَاءُ حَرَامًا وَمِنْهُ طَلَبُ مُسْتَحِيلٍ عَقْلًا أَوْ عَادَةً إلَّا لِنَحْوِ وَلِيٍّ وَطَلَبُ نَفْيِ مَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ أَوْ ثُبُوتُ مَا دَلَّ عَلَى نَفْيِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعَ ذُنُوبِهِمْ لِدَلَالَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْذِيبِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ بِخِلَافِ نَحْوِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ذُنُوبَهُمْ عَلَى الْأَوْجَهِ لِصِدْقِهِ بِغُفْرَانِ بَعْضِ الذُّنُوبِ لِلْكُلِّ فَلَا مُنَافَاةَ لِلنُّصُوصِ وَقَدْ يَكُونُ كُفْرًا كَالدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَمِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الدُّعَاءُ فِي كَنِيسَةٍ وَحَمَّامٍ وَمَحَلِّ نَجَاسَةٍ وَقَذَرٍ وَلَعِبٍ وَمَعْصِيَةٍ كَالْأَسْوَاقِ الَّتِي يَغْلِبُ وُقُوعُ الْعُقُودِ وَالْأَيْمَانِ الْفَاسِدَةِ فِيهَا وَالدُّعَاءُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ خَادِمِهِ وَفِي إطْلَاقِ عَدَمِ جَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الْوَلَدِ وَالْخَادِمِ نَظَرٌ، وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ لِلْكَافِرِ بِنَحْوِ صِحَّةِ الْبَدَنِ وَالْهِدَايَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّأْمِينِ عَلَى دُعَائِهِ وَيَحْرُمُ لَعْنُ الْمُسْلِمِ الْمُتَصَوِّلِ وَيَجُوزُ لَعْنُ أَصْحَابِ الْأَوْصَافِ الْمَذْمُومَةِ كَالْفَاسِقِينَ وَالْمُصَوِّرِينَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَخْصٍ وَكَالْإِنْسَانِ فِي تَحْرِيمِ لَعْنِهِ بَقِيَّةَ الْحَيَوَانَاتِ انْتَهَى سم وَقَوْلُهُ وَقَدْ يَكُونُ كُفْرًا إلَخْ لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى طَلَبِ مَغْفِرَةِ الشِّرْكِ الْمَمْنُوعَةِ بِنَصِّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] وَمَعَ ذَلِكَ فِي كَوْنِ ذَلِكَ كُفْرًا شَيْءٌ وَقَوْلُهُ وَحَمَّامٍ إلَخْ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ فِي ذَلِكَ كُرِهَ لَهُ أَدْعِيَةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذِهِ وَنَحْوَهَا مُسْتَثْنَاةٌ وَقَوْلُهُ وَفِي إطْلَاقِ عَدَمِ جَوَازِ الدُّعَاءِ إلَخْ الْمُرَادُ جَوَازًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ تَأْدِيبَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إفَادَتُهُ جَازَ كَضَرْبِهِ بَلْ أَوْلَى وَقَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّأْمِينِ إلَخْ وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ وَتَخْيِيلِ أَنَّ دُعَاءَهُ مُسْتَجَابٌ اهـ ع ش وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ وَالضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَى بِعُمُومِهَا إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْإِطْلَاقَ لَا يَضُرُّ وَهُوَ وَاضِحٌ إذْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يُؤْذِنُ بِعُمُومِ الْأَحْوَالِ بَصْرِيٌّ
(قَوْلُهُ الْإِمَامُ) إلَى قَوْلِهِ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ فَإِنْ سَاوَاهُ كُرِهَ قَوْلُ الْمَتْنِ (عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ) الْوَجْهُ كَمَا لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSبِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ.
(قَوْلُهُ عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ إلَخْ) الْوَجْهُ كَمَا لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْرُ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْهُمَا مِنْ أَقَلِّهِمَا أَوْ أَكْمَلِهِمَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِالتَّبَعِيَّةِ (قَوْلُهُ
الصفحة 88