كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 3)

لِيُكَفِّرَ بِهِ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ أَذِنَ لَهُ فِي صَرْفِهِ لِأَهْلِهِ إعْلَامًا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْفَاضِلِ عَنْ الْكِفَايَةِ أَوْ أَنَّهُ تَطَوَّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ وَسَوَّغَ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِهِ إعْلَامًا بِأَنَّ الْمُكَفِّرَ الْمُتَطَوِّعَ يَجُوزُ لَهُ صَرْفُهَا لِمُمَوِّنِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ وَبِهَذَا أَخَذَ أَصْحَابُنَا فَقَالُوا يَجُوزُ لِلْمُتَطَوِّعِ بِالتَّكْفِيرِ عَنْ الْغَيْرِ صَرْفٌ لِمُمَوِّنِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ وَاحْتَرَزَ عَنْهُ الْمَتْنُ بِقَوْلِهِ كَفَّارَتُهُ إلَى عِيَالِهِ

(بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) وَهُوَ مَا لَمْ يُفْرَضْ وَلِلصَّوْمِ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْمَثُوبَةِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ ثَمَّ أَضَافَهُ تَعَالَى إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَقَالَ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَأَيْضًا فَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَعْظَمِ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ بَلْ أَعْظَمُهَا عِنْدَ جَمَاعَةٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إخْبَارِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قِيلَ إنَّ التَّبَعَاتِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ يَرُدُّهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مَعَ جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ فِيهَا وَبَقِيَ فِيهِ سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ قَوْلًا لَا تَخْلُو عَنْ خَفَاءٍ وَتَعَسُّفٍ نَعَمْ قِيلَ إنَّ التَّضْعِيفَ فِي الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ لَا يُؤْخَذُ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا الَّذِي يُؤْخَذُ الْأَصْلُ وَهُوَ الْحَسَنَةُ الْأُولَى لَا غَيْرُ وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ إنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ الصَّادِقِ وَإِلَّا وَجَبَ الْأَخْذُ بِعُمُومِ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَخْذِ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ حَتَّى إذَا لَمْ تَبْقَ لَهُ حَسَنَةٌ وَضَعَ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَإِذَا وَضَعَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتِهِ فَأَوْلَى أَخْذُ جَمِيعِ حَسَنَاتِهِ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ لَهُ وَمَحْضُ الْفَضْلِ جَارٍ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ.
(يُسَنُّ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ) لِلْخَبَرِ الْحَسَنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَهُمَا وَيَقُولُ إنَّهُمَا تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» أَيْ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا تُعْرَضُ فِي لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ وَفِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَالْأَوَّلُ عَرْضٌ إجْمَالِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْأُسْبُوعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْخُنَا (قَوْلُهُ لِيُكَفِّرَ بِهِ) أَيْ وَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ نِهَايَةٌ وَأَسْنَى وَمُغْنِي.
(قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُ تَطَوَّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ) وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ أَوْ يُقَالَ النَّبِيُّ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ سم وَاقْتَصَرَ النِّهَايَةُ وَالْمُغْنِي وَالْأَسْنَى عَلَى الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ وَسَوَّغَ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِهِ) أَيْ: مَعَ كَوْنِ أَهْلِهِ سِتِّينَ مِسْكِينًا شَيْخُنَا عِبَارَةُ النِّهَايَةِ نَعَمْ يَبْقَى الْكَلَامُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْعَدَدِ الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ كَوْنُ عَدَدِ الْأَهْلِ سِتِّينَ مِسْكِينًا اهـ قَالَ ع ش قَوْلُهُ م ر فَيَجُوزُ كَوْنُ عَدَدِ الْأَهْلِ أَيْ: لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِمْ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ اهـ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ سم قَوْلُهُ وَسَوَّغَ لَهُ صَرْفُهَا لِأَهْلِهِ فِيهِ أَنَّ كَوْنَ أَهْلِهِ سِتِّينَ مِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ اهـ.
(قَوْلُهُ إعْلَامًا إلَخْ) وَبَعْضُهُمْ أَجَابَ بِأَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ بِأَنَّ الْمُكَفِّرَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَسْنَى وَالنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي بِأَنَّ لِغَيْرِ الْمُكَفِّرِ التَّطَوُّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ بِإِذْنِهِ وَأَنَّ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِ الْمُكَفِّرِ عَنْهُ أَيْ وَلَهُ فَيَأْكُلُ هُوَ وَهُمْ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْقَاضِي نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَاصِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ صَرَفَ لَهُ ذَلِكَ تَطَوُّعًا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَاحْتَرَزَ عَنْهُ إلَخْ) أَيْ: عَنْ الْمُكَفِّرِ الْمُتَطَوِّعِ؛ لِأَنَّ الصَّارِفَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْأَجْنَبِيُّ الْمُكَفِّرُ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ.
(قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ كَفَّارَتُهُ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي بِقَوْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ اهـ وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّ الِاحْتِرَازَ بِقَوْلِهِ لِلْفَقِيرِ إلَخْ لَا بِقَوْلِهِ كَفَّارَتُهُ إلَخْ وَلَعَلَّهَا أَقْعَدُ بَصْرِيٌّ

[بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ]
(بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا لَمْ يُفْرَضْ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ التَّطَوُّعُ: التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ إلَخْ) إنْ أُرِيدَ الْقَطْعُ بِهِ فَمُسَلَّمٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَهِيَ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ إلَّا أَنَّ هَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ عِبَادَةٍ تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَإِنْ أُرِيدَ مُطْلَقًا فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّا إذَا رَأَيْنَا شَخْصًا تَنَاوَلَ شَيْئًا عِنْدَ السَّحَرِ ثُمَّ أَمْسَكَ إلَى الْغُرُوبِ ثُمَّ تَنَاوَلَ شَيْئًا آخَرَ نَظُنُّ كَوْنَهُ صَائِمًا بَصْرِيٌّ وَلَك أَنْ تَخْتَارَ الشِّقَّ الثَّانِيَ وَتَحْمِلَ كَلَامَ الشَّارِحِ عَلَى الشَّأْنِ وَالْغَالِبُ؛ إذْ مَا صَوَّرَهُ السَّيِّدُ الْبَصْرِيُّ مِنْ النَّوَادِرِ بَلْ يَدَّعِي امْتِنَاعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى إمْسَاكِهِ مِنْ الْمُفْطِرَاتِ الْبَاطِنِيَّةِ.
(قَوْلُهُ وَمَا قِيلَ إلَخْ) أَيْ: فِي تَوْجِيهِ الْإِضَافَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ إنَّ التَّبَعَاتِ) أَيْ: حُقُوقَ الْعِبَادِ.
(قَوْلُهُ يَرُدُّهُ إلَخْ) أَقَرَّهُ الْمُغْنِي وَاعْتَمَدَهُ النِّهَايَةُ فَقَالَ وَالصَّحِيحُ تَعَلُّقُ الْغُرَمَاءِ بِهِ كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَتَخْصِيصُهُ بِكَوْنِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الرِّيَاءِ مِنْ غَيْرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ) أَيْ: الصَّوْمُ (قَوْلُهُ مَعَ جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ) أَيْ: فُرُوضِهَا وَسُنَنِهَا وَمَا ضُوعِفَ مِنْهَا ع ش.
(قَوْلُهُ فِيهَا) أَيْ: التَّبَعَاتِ.
(قَوْلُهُ وَبَقِيَ فِيهِ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ تَزِيدُ عَلَى خَمْسِينَ قَوْلًا اهـ.
(قَوْلُهُ لَا يُؤْخَذُ) أَيْ: فِي التَّبَعَاتِ.
(قَوْلُهُ عَنْ الصَّادِقِ) أَيْ: الشَّارِعِ.
(قَوْلُهُ جَازَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا) يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ أَيْضًا مَحْضُ الْفَضْلِ كُرْدِيٌّ قَوْلُ الْمَتْنِ (يُسَنُّ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ) وَيُسَنُّ أَيْضًا الْمُحَافَظَةُ عَلَى صَوْمِهِمَا نِهَايَةٌ قَالَ ع ش رَأَيْت بِهَامِشٍ أَنَّ الشَّيْخَ الرَّمْلِيَّ أَفْتَى أَنَّ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الْخَمِيسِ اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِيهِ بَعْثَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَمَاتَهُ وَسَائِرَ أَطْوَارِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا تُعْرَضُ فِي لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ يُعْرَضُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مَا يَقَعُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ إلَيْهَا وَفِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَقَعُ مِنْ لَيْلَةِ النِّصْفِ إلَيْهَا فَلَا تَكْرَارَ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَأَمَّا أَصْلُ التَّكْرَارِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ بَصْرِيٌّ.
(قَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ عَرْضٌ إجْمَالِيٌّ إلَخْ) مُقْتَضَى صَنِيعِهِ أَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ لَا إجْمَالِيٌّ وَلَا تَفْصِيلِيٌّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَوْ أَنَّهُ تَطَوَّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ) لَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ أَوْ مَلَّكَهُ إيَّاهُ إلَخْ بِأَنْ يُقَالَ إذَا مَلَّكَهُ إيَّاهُ لَمْ يَمْلِكْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ قَوْلُهُ أَوْ مَلَّكَهُ إيَّاهُ لَيْسَ مَقْطُوعًا بِهِ بَلْ هُوَ احْتِمَالٌ أَوْ أَرَادَ أَنْ يُمَلِّكَهُ بَلْ يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا قَوْلُهُ تَصَدَّقَ بِهَذَا مِنْ غَيْرِ إقْبَاضٍ لَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ أَطْعِمْهُ أَهْلَك فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُ تَطَوَّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ) وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ أَوْ يُقَالُ النَّبِيُّ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ.
(قَوْلُهُ وَسَوَّغَ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِهِ) فِيهِ أَنَّ كَوْنَ أَهْلِهِ سِتِّينَ مِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ

الصفحة 453