كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 3)

مُكْثٌ مَخْصُوصٌ عَلَى وَجْهٍ يَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ مُعْتَكِفٌ وَمُعْتَكَفٌ فِيهِ وَلُبْثٌ وَنِيَّةٌ (هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ) إجْمَاعًا (وَ) هُوَ (فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ) مِنْهُ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ بَقِيَّةَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاوَمَ عَلَيْهِ إلَى وَفَاتِهِ قَالُوا وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ (لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) أَيْ: الْحِكَمِ وَالْفَضْلِ أَوْ الشَّرَفِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَاَلَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ قَدْرٍ فَهِيَ أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا أَيْ: تَصْدِيقًا بِهَا وَاحْتِسَابًا أَيْ: لِثَوَابِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَمَا تَأَخَّرَ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ «مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَقَدْ أَخَذَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِحَظٍّ وَافِرٍ» وَخَبَرَ «مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» وَقُدِّمَ هَذَا فِي سُنَنِ الصَّوْمِ لِيُبَيَّنَ ثُمَّ نَدَبَهُ لِلصَّوْمِ وَهُنَا نَدَبَهُ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ وَأَرْجَاهَا الْأَوْتَارُ (وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنَّهَا) أَيْ: تِلْكَ اللَّيْلَةَ الْمُعَيَّنَةَ (لَيْلَةُ الْحَادِي) وَالْعِشْرِينَ (أَوْ) لَيْلَةُ (الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُرِيَهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي لَيْلَةٍ وِتْرٍ مِنْهُ وَأَنَّهُ سَجَدَ صَبِيحَتَهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ» فَكَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْلَةُ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَاخْتَارَ جَمْعٌ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ: مُلَازَمَتُهُ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ مُكْثٌ مَخْصُوصٌ إلَخْ) أَيْ لُبْثٌ فِي مَسْجِدٍ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ مِنْ مُسْلِمٍ مُمَيَّزٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ صَاحٍ كَافٍّ نَفْسَهُ عَنْ شَهْوَةِ الْفَرْجِ مَعَ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ نِهَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125] نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَوْلُ الْمَتْنِ (مُسْتَحَبٌّ) أَيْ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ نِهَايَةٌ قَوْلُ الْمَتْنِ (كُلَّ وَقْتٍ) أَيْ: فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي أَيْ: حَتَّى فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ تَحَرَّاهَا ع ش وَشَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ دَاوَمَ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ: ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي.
(قَوْلُهُ قَالُوا) أَيْ الْعُلَمَاءُ (وَحِكْمَتُهُ) أَيْ حِكْمَةُ أَفْضَلِيَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ قَوْلُ الْمَتْنِ (لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) أَيْ: فَيُحْيِيهَا بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ فِيهَا مِنْ قَوْلِ اللَّهُمَّ إنَّك عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي مُغْنِي.
(قَوْلُهُ وَالْفَصْلُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
(قَوْلُهُ أَوْ الشَّرَفِ) عَطْفٌ عَلَى الْحُكْمِ وَإِشَارَةٌ إلَى وَجْهٍ آخَرَ لِتَسْمِيَتِهَا بِالْقَدْرِ وَ (قَوْلُهُ الْمُخْتَصَّةُ إلَخْ) صِفَةُ اللَّيْلَةِ.
(قَوْلُهُ بِهِ) أَيْ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مُغْنِي.
(قَوْلُهُ وَاَلَّتِي إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى الْمُخْتَصَّةِ.
(قَوْلُهُ فَهِيَ أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ) أَيْ: فِي حَقِّنَا لَكِنْ بَعْدَ لَيْلَةِ الْمَوْلِدِ الشَّرِيفِ وَيَلِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ ثُمَّ لَيْلَةُ عَرَفَةَ ثُمَّ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَبْعَانَ وَأَمَّا بَقِيَّةُ اللَّيَالِي فَهِيَ مُسْتَوِيَةٌ وَاللَّيْلُ أَفْضَلُ مِنْ النَّهَارِ وَأَمَّا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْأَفْضَلُ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِيهَا شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ تَصْدِيقًا بِهَا) أَيْ: بِأَنَّهَا حَقٌّ وَطَاعَةٌ (وَاحْتِسَابًا) أَيْ طَلَبًا لِرِضَاءِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ لَا رِيَاءً وَسُمْعَةً وَنَصْبُهُمَا عَلَى الْمَفْعُولِ أَوْ التَّمْيِيزِ أَوْ الْحَالِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَعَلَيْهِ فَهُمَا حَالَانِ مُتَدَاخِلَانِ أَوْ مُتَرَادِفَانِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ شَهْرُ رَمَضَانَ إلَخْ) أَيْ: لَا يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِمُلَازَمَةِ جَمِيعِ الشَّهْرِ ع ش.
(قَوْلُهُ وَقَدَّمَ هَذَا) أَيْ: نَدْبَ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ.
(قَوْلُهُ وَهُنَا نَدْبَهُ إلَخْ) أَيْ: وَذَكَرَ هُنَا نَدْبَهُ إلَخْ فَلَا تَكْرَارَ قَالَ الْمُغْنِي وَأَعَادَهَا لِذِكْرِ حِكْمَةِ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ اهـ وَقَالَ النِّهَايَةُ وَمَا هُنَا فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ) لَعَلَّ التَّقْيِيدَ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ غَيْرِهِ بَلْ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ النَّدْبِ عِنْدَ الْإِفْطَارِ لِعُذْرٍ لِمَكَانِ الْعُذْرِ سم.
(قَوْلُهُ وَالْمَذْهَبُ إلَخْ) وَفِي الْقَدِيمِ أَرْجَاهَا لَيْلَةُ إحْدَى أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ بَقِيَّةُ الْأَوْتَارِ ثُمَّ أَشْفَاعُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَجَمَاعَةٌ إنَّهَا فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ وَخَصَّهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَبَعْضُهُمْ بِأَشْفَاعِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفِيهَا نَحْوُ الثَّلَاثِينَ قَوْلًا مُغْنِي.
(قَوْلُهُ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا إلَخْ) ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ بِحَسَبِ لَيْلِهِمْ فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ عِنْدَنَا نَهَارًا لِغَيْرِنَا تَأَخَّرَتْ الْإِجَابَةُ وَالثَّوَابُ إلَى أَنْ يَدْخُلَ اللَّيْلُ عِنْدَهُمْ وَيُحْتَمَلُ لُزُومُهَا لِوَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ نَهَارًا بِالنِّسْبَةِ لِقَوْمٍ وَلَيْلًا بِالنِّسْبَةِ لِآخَرِينَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِيَنْطَبِقَ عَلَيْهِ مُسَمَّى اللَّيْلِ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَخْذًا مِمَّا قِيلَ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ إنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَوْقَاتِ الْخُطَبِ ع ش قَوْلُ الْمَتْنِ (لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ أَوْ الثَّالِثِ إلَخْ) هَذَا نَصُّ الْمُخْتَصَرِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ مَيْلَهُ إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَا غَيْرُ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَالَ شَيْخُنَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] إلَى {سَلامٌ هِيَ} [القدر: 5] فَإِنَّ كَلِمَةَ هِيَ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ كَلِمَاتِ السُّورَةِ وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ اهـ.
(قَوْلُهُ أُرِيَهَا) أَيْ: فِي الْمَنَامِ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يَسْجُدُ إلَخْ) أَيْ: وَأَرَى أَنَّهُ إلَخْ قَوْلُهُ وَاخْتَارَ إلَى قَوْلِهِ وَيُسَنُّ فِي الْمُغْنِي.
(قَوْلُهُ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا) وَعَلَيْهِ جَرَى الصُّوفِيَّةُ وَذَكَرُوا لِذَلِكَ ضَابِطًا وَقَدْ نَظَمَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ
وَأَنَّا جَمِيعًا إنْ نَصُمْ يَوْمَ جُمُعَةٍ ... فَفِي تَاسِعِ الْعِشْرِينَ خُذْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ
وَإِنْ كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَوَّلَ صَوْمِنَا ... فَحَادِي وَعِشْرِينَ اعْتَمِدْهُ بِلَا عُذْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS (كِتَابُ الِاعْتِكَافِ) . (قَوْلُهُ أَيْ: تَصْدِيقًا بِهَا) هَلْ الْمُرَادُ التَّصْدِيقُ بِثُبُوتِهَا فِي نَفْسِهَا أَوْ الْمُرَادُ التَّصْدِيقُ بِأَنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي قَابَلَهَا هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ) لَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِالْعُذْرِ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ غَيْرِهِ بَلْ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ النَّدْبِ

الصفحة 462