كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 4)

بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ النَّسِيءِ وَغَيْرِهِ بَلْ قِيلَ فِي حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّاسِعَةِ ذَلِكَ لَكِنَّ الْوَجْهَ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَأْمُرُ إلَّا بِحَجٍّ شَرْعِيٍّ وَكَذَا يُقَالُ فِي الثَّامِنَةِ الَّتِي أُمَّرَ فِيهَا عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ أَمِيرَ مَكَّةَ وَبَعْدَهَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ لَا غَيْرُ (هُوَ فَرْضٌ) مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَكْفُرُ مُنْكِرُهُ إلَّا إنْ أَمْكَنَ خَفَاؤُهُ عَلَيْهِ (وَكَذَا الْعُمْرَةُ، وَهِيَ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَوْ ضَمٍّ وَبِفَتْحِ فَسُكُونٍ لُغَةً زِيَارَةُ مَكَان عَامِرٍ وَشَرْعًا قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي أَوْ نَفْسِ الْأَفْعَالِ الْآتِيَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ» وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ قَالَ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» وَخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَحَسَّنَهُ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ وَلَا يُغْنِي عَنْهَا الْحَجُّ؛ لِأَنَّ كُلًّا أَصْلٌ قُصِدَ مِنْهُ مَا لَمْ يُقْصَدْ مِنْ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهَا مَوَاقِيتَ غَيْرَ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَزَمَنًا غَيْرَ زَمَنِ الْحَجِّ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُشْكِلُ بِإِجْزَاءِ الْغُسْلِ عَنْ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا قُصِدَ بِهِ الْوُضُوءُ مَوْجُودٌ فِي الْغُسْلِ وَلَا يَجِبَانِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً وَهُمَا عَلَى التَّرَاخِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَسَائِرِ أَفْعَالِهِ عَنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ الْبَاطِلَةِ ع ش.
(قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا إلَخْ) أَيْ: النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ مِنْ النَّسِيءِ أَيْ: تَأْخِيرِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ إلَى آخَرَ كَانُوا إذَا جَاءَ شَهْرٌ حَرَامٌ وَهُمْ يُحَارِبُونَ فِيهِ أَحَلُّوهُ وَحَرَّمُوا مَكَانَهُ شَهْرًا آخَرَ حَتَّى رَفَضُوا خُصُوصَ الْأَشْهُرِ وَاعْتَبَرُوا مُجَرَّدَ الْعَدَدِ كُرْدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ إلَخْ) وَالْأَوْلَى بَلْ عَلَى مَا كَانُوا إلَخْ (قَوْلُهُ بَلْ قِيلَ فِي حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ) قَالَ فِي الْخَادِمِ حَجُّ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّاسِعَةِ كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ لِأَجْلِ النَّسِيءِ وَكَانَ بِتَقْرِيرٍ مِنْ الشَّرْعِ ثُمَّ نُسِخَ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ إلَخْ انْتَهَى مَا فِي الْخَادِمِ وَنَقَلَهُ الْفَاضِلُ عَمِيرَةُ وَأَقَرَّهُ، وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَأْمُرُ فَتَأَمَّلْهُ بَصْرِيٌّ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّ الْوَجْهَ خِلَافُهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إنْ صَحَّ أَنَّ الْحَجَّ وَجَبَ مَعَ بَيَانِ الْمُعْتَبَرَاتِ فِيهِ رُكْنًا وَشَرْطًا وَغَيْرَهُمَا قَبْلَ الثَّامِنَةِ فَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ سَاقِطٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِلَّا فَكَوْنُ الْوَجْهِ خِلَافُهُ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي مُوَافَقَةِ مَا لَمْ يُؤْمَرُوا بِخِلَافِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوَافِقُهُمْ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ وَتَوَابِعِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ فِيهِ بِشَيْءٍ بَصْرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَبَعْدَهَا إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَبْلَ الْهِجْرَةِ قَوْلُ الْمَتْنِ (هُوَ فَرْضٌ) (فَائِدَةٌ) النُّسُكُ إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ، وَهُوَ عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ وَإِمَّا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَهُوَ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ كُلَّ سَنَةٍ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَإِمَّا تَطَوُّعٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْأَرِقَّاءِ وَالصِّبْيَانِ إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ لَكِنْ لَوْ تَطَوَّعَ مِنْهُمْ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قِيَاسًا عَلَى الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مُغْنِي وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ إلَّا أَنَّهُ مَالَ إلَى اعْتِبَارِ التَّكْلِيفِ وَعَدَمِ السُّقُوطِ بِفِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ وَتَقَدَّمَ فِي الْجَمَاعَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْجِهَادِ تَرْجِيحُ الشَّارِحِ السُّقُوطَ بِذَلِكَ قَالَ ع ش قَوْلُهُ م ر فِي الْأَرِقَّاءِ وَالصِّبْيَانِ أَيْ وَالْمَجَانِينِ عَلَى مَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ م ر اعْتِبَارُ التَّكْلِيفِ مُعْتَمَدٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: مَعْلُومٌ) إلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي.
(قَوْلُهُ: إنْ أَمْكَنَ خَفَاؤُهُ عَلَيْهِ) أَيْ: بِأَنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: زِيَارَةُ مَكَان عَامِرٍ إلَخْ) وَسُمِّيَتْ عُمْرَةً؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْعُمْرِ كُلِّهِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي.
(قَوْلُهُ: وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ كَوْنُ الْعُمْرَةِ فَرْضَ عَيْنٍ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ بَصْرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَصَحَّ) إلَى قَوْلِهِ وَمَتَى أَخَّرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ قَصْدٌ إلَى فَلَا يُشْكِلُ وَقَوْلُهُ بِقَرِينَةٍ إلَى أَوْ بِكَوْنِهِمَا (قَوْلُهُ وَخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَسْنَى وَالْمُغْنِي وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ قَالَ لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك» فَضَعِيفٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ وَلَا يَغْتَرُّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّهُ بَاطِلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِهَا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى السَّائِلِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ قَالَ وَقَوْلُهُ وَأَنْ تَعْتَمِرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ اهـ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهَا مَوَاقِيتَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إنْ نَظَرَ إلَى الْحَقِيقَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعَوَارِضِ فَكُلُّ مُعْتَبَرٍ فِي الْعُمْرَةِ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَجِّ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى الْعَوَارِضِ الْخَارِجِيَّةِ كَالْمَوَاقِيتِ فَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ مُخْتَلِفَانِ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّ لِكُلٍّ مُوجِبَاتٍ تَخُصُّهُ فَلْيُتَأَمَّلْ بَصْرِيٌّ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا قَصَدَ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ، وَإِنَّمَا حُطَّ عَنْهُ إلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ تَخْفِيفًا فَأَغْنَى عَنْ بَدَلِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبَانِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ قَالَ بَلْ لِلْأَبَدِ» مُغْنِي زَادَ النِّهَايَةُ وَصَحَّ «عَنْ سُرَاقَةَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ بَلْ لِلْأَبَدِ» اهـ.
(قَوْلُهُ وَهُمَا عَلَى التَّرَاخِي إلَخْ) أَيْ عِنْدَنَا وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ فَعَلَى الْفَوْرِ وَلَيْسَ لِأَبِي حَنِيفَةَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ صَاحِبَاهُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَى التَّرَاخِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــSبَعْدَ النُّبُوَّةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَكُنْ حَجًّا شَرْعِيًّا، وَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ هُوَ فَرْضٌ) قَدْ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَهُوَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ بِشَرْطِهِ وَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَيْهَا مِنْ الْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءِ الْأَحْرَارِ وَسَيَأْتِي فِي الْجِهَادِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ فِي الْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ وَلَا الْأَرِقَّاءِ وَلَا الْمَجَانِينِ، وَإِنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَسْقُطُ بِهِمْ كَمَا تَسْقُطُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ بِرَدِّ غَيْرِهِمْ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّأْمِينُ وَلَيْسَ الصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِهِ وَهُنَا الْقَصْدُ ظُهُورُ الشِّعَارِ، وَهُوَ حَاصِلٌ وتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ الْأَوْجَهَ اعْتِبَارُ الْبُلُوغِ فِيمَنْ يَسْقُطُ بِهِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُقُوطِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ الدُّعَاءُ، وَهُوَ مِنْهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سُقُوطِ فَرْضِ

الصفحة 4