كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 4)

فَسْخُ الْبَيْعِ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ

(وَلَوْ ادَّعَى) أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ (صِحَّةَ الْبَيْعِ) ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ (وَ) ادَّعَى (الْآخَرُ فَسَادَهُ) بِاخْتِلَالِ رُكْنٍ، أَوْ شَرْطٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا رُؤْيَتَهُ وَأَنْكَرَهَا الْآخَرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْضًا (فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ) غَالِبًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ وَأَصْلُ عَدَمِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ يُعَارِضُهُ أَصْلُ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالرُّؤْيَةِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ عَدَمَهَا لِلتَّحْلِيفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَدْ فِيهَا إقْرَارٌ عَلَى رَسْمِ الْقَالَةِ وَيَسْتَحِيلُ شَرْعًا تَأَخُّرُهَا عَنْ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا أَقْرَرْت بِهِ لِعَزْمِي عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ بِنَحْوِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ اُعْتِيدَ فِيهِ التَّأْخِيرُ عَنْ الْعَقْدِ، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ مَا لَوْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ أَرْضٍ مَعْلُومَةِ الذَّرْعِ ثُمَّ ادَّعَى إرَادَةَ ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ لِيُفْسِدَ الْبَيْعَ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي شُيُوعَهُ فَيُصَدَّقُ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلشِّرَاءِ (قَوْلُهُ: فَسْخُ الْبَيْعِ) هَلْ الْمُرَادُ لَهُ ذَلِكَ بَاطِنًا؛ إذْ لَمْ يَثْبُتُ بَيْعٌ ظَاهِرًا اهـ سم أَقُولُ نَعَمْ أَخْذًا مِمَّا قَدَّمْنَا عَنْ الْمُغْنِي فِي فَسْخِ الْكَاذِبِ مِنْ الْمُتَحَالِفَيْنِ وَمِمَّا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَلَوْ ادَّعَى صِحَّةَ الْبَيْعِ

(قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرَهُ إلَخْ) كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي (قَوْلُهُ: بِاخْتِلَالٍ) إلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ، أَوْ شَرْطٍ (قَوْلُهُ كَأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا رُؤْيَتَهُ إلَخْ) فَعُلِمَ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُثْبِتِهَا مِنْ بَائِعٍ، أَوْ مُشْتَرٍ قَالَ م ر بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّةِ الرُّؤْيَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّائِي؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهَا أَيْ: كَأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ رَآهُ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ رَأَيْته بِلَا حَيْلُولَةِ زُجَاجٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الرُّؤْيَةِ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ فَلْيُرَاجَعْ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ خَطّ جَرْيًا عَلَى إطْلَاقِهِمْ بِتَصْدِيقِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى حَجّ وَإِطْلَاقُ الشَّارِحِ م ر يُوَافِقُ مَا وَجَّهَ بِهِ الْخَطِيبُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَدْ فِيهَا إلَخْ) أَيْ: لَمْ يَصِرْ عَادَةً فِي الرُّؤْيَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا، وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا اشْتَرَى مِنْ تَاجِرٍ مَقْطَعًا مِنْ الْقُمَاشِ بِثَلَاثَةِ قُرُوشٍ ثُمَّ سَأَلَهُ أَحَدُ أَتْبَاعِ الظُّلْمَةِ عَنْ ثَمَنِهِ فَقَالَ اشْتَرَيْته بِخَمْسَةٍ لِدَفْعِهِ عَنْهُ فَانْدَفَعَ ثُمَّ أَحْضَرَ لِلْبَائِعِ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ فَأَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا أَقَرَّ بِهِ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُهُ أَمْ لَا، وَهُوَ أَيْ: الْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ يُحْتَمَلُ أَنَّ رَسْمَ الْقُبَالَةِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى شُبْهَةٍ تُقَوِّي جَانِبَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ قَالُوا لَوْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ وَكِيلًا، أَوْ كَوْنَهُ وَدِيعًا لِغَرَضٍ لَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْكَرَهُ لَا لِغَرَضٍ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: تَأَخُّرُهَا) أَيْ: الرُّؤْيَةِ الْمَشْرُوطَةِ لِلْبَيْعِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ) أَيْ: الْإِقْرَارِ (بِنَحْوِ الْقَبْضِ) أَيْ: كَالْإِجَارَةِ وَالْفَسْخِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ) إلَى قَوْلِهِ أَيْ: مَعَ قُوَّةٍ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي (قَوْلُهُ: مَعْلُومَةَ الذَّرْعِ) أَيْ: هُمَا يَعْلَمَانِ ذُرْعَانَهَا كُرْدِيٌّ وَمُغْنِي قَالَ سم وَأَقَرَّهُ ع ش كَانَ وَجْهُ هَذَا التَّقْيِيدِ أَنَّ مَجْهُولَتَهَا لَا تُفِيدُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي شُيُوعَ الذِّرَاعِ فِي الصِّحَّةِ؛ إذْ لَا يَصِيرُ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا بَلْ هُوَ عَلَى مَا جَهِلَهُ بِخِلَافِ الْمَعْلُومَةِ إذْ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالْجُزْئِيَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ: غَيْرِ مُشَاعٍ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِهِ؛ إذْ الصُّورَةُ أَنَّهُ مُبْهَمٌ حَتَّى يَتَأَتَّى الْبُطْلَانُ اهـ رَشِيدِيٌّ عِبَارَةُ ع ش وَالشِّهَابِ الْبُرُلُّسِيِّ قَوْلُهُ إرَادَةُ ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ أَيْ: مُبْهَمٍ بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ أَرَدْت بِقَوْلِي ذِرَاعًا أَنَّهُ يُفْرَزُ لَك ذِرَاعٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْعَشَرَةِ نَتَّفِقُ عَلَيْهِ اهـ وَيُوَافِقُهَا قَوْلُ الْمُغْنِي فَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ ذِرَاعًا مُعَيَّنًا مُبْهَمًا اهـ.
وَفِي سم قَالَ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ الْمُبْهَمُ لَا الشَّخْصُ بِأَنْ قَالَ أَرَدْت ذِرَاعًا أَوَّلُهُ هَذَا الْمَكَانُ وَآخِرُهُ ذَاكَ؛ لِأَنَّ إرَادَةَ ذَلِكَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْفَسَادُ حَتَّى يَصِحَّ قَوْلُهُ: لِيُفْسِدَ الْبَيْعَ اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ قَصْدُهُ الْمُعَيَّنُ بِالشَّخْصِ دُونَ الْمُشْتَرَى يَقْتَضِي فَسَادَ الْبَيْعِ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ تُشْعِرُ بِذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَادَّعَى الْمُشْتَرِي شُيُوعَهُ) أَيْ: لِيَصِحَّ الْبَيْعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSلَهُ (قَوْلُهُ: فَسْخُ الْبَيْعِ) هَلْ الْمُرَادُ لَهُ ذَلِكَ بَاطِنًا إذْ لَمْ يَثْبُتْ بَيْعٌ ظَاهِرًا

(قَوْلُهُ: كَأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا رُؤْيَتَهُ وَأَنْكَرَهَا الْآخَرُ) فَعُلِمَ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُثْبِتِهَا مِنْ بَائِعٍ، أَوْ مُشْتَرٍ قَالَ م ر بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّةِ الرُّؤْيَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّائِي؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهَا أَيْ: كَأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ رَآهُ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ رَأَيْته بِلَا حَيْلُولَةِ زُجَاجٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الرُّؤْيَةِ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ فَلْيُرَاجَعْ فَفِيهِ نَظَرٌ وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ خَطّ جَرْيًا عَلَى إطْلَاقِهِمْ تَصْدِيقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَعْلُومَةَ الذَّرْعِ) كَانَ وَجْهُ هَذَا التَّقْيِيدِ أَنَّ مَجْهُولَتَهَا لَا تُفِيدُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي شُيُوعَ الذِّرَاعِ فِي الصِّحَّةِ؛ إذْ لَا يَصِيرُ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا بَلْ هُوَ عَلَى جَهْلِهِ بِخِلَافِ الْمَعْلُومَةِ؛ إذْ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالْجُزْئِيَّةِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ إنْ قَصَدَهُ (قَوْلُهُ: وَادَّعَى الْمُشْتَرِي شُيُوعَهُ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الذُّرْعَانَ مَعْلُومَةٌ كَعَشَرَةٍ وَقَالَ بِعْتُك ذِرَاعًا بِدِينَارٍ مَثَلًا فَقَالَ اشْتَرَيْت ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ أَرَدْت بِقَوْلِي ذِرَاعًا أَنَّهُ يُفْرَزُ لَك ذِرَاعَ مُعَيَّنٍ مِنْ الْعَشَرَةِ نَتَّفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ أَرَدْت ذِرَاعًا شَائِعًا فِي الْعَشَرَةِ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ الْعُشْرَ هَذَا مُرَادُهُ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ الْإِسْنَوِيِّ، وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ مَا كَتَبَهُ عَلَى شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَعِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا هِيَ قَوْلُهُ: فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ أَرَادَ ذِرَاعًا مُعَيَّنًا حَتَّى لَا يَصِحَّ الْعَقْدُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ فِي تَعْيِينِهِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي الشُّيُوعَ حَتَّى يَصِحَّ وَيَكُونَ كَأَنَّهُ بَاعَهُ الْعُشْرَ مَثَلًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذَرْعُهَا عَشَرَةً اهـ وَقَالَ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ

الصفحة 483