كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 9)
قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَنَّأَ بِمَا جَاءَ عَنْ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ عَلَّمَ إنْسَانًا التَّهْنِئَةَ فَقَالَ قُلْ بَارَكَ اللَّهُ لَك. إلَخْ اهـ. فَإِطْبَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَى سَنِّ ذَلِكَ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُمَا لَا الْبَصْرِيُّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَهُوَ حُجَّةٌ مِنْ الصَّحَابِيِّ لَا التَّابِعِيِّ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ مِنْهُ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْوَاهِبِ وَأَنَّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ التَّوْقِيفِيَّةِ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَأَنْكَرَهُ بِبَادِئِ رَأْيِهِ
وَأَمَّا قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْبَصْرِيُّ فَيُرَدُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَخْطِئَةُ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ؛ لِأَنَّ مَا يَجِيءُ عَنْ التَّابِعِيِّ لَا تَثْبُتُ بِهِ سُنَّةٌ وَيَنْبَغِي امْتِدَادُ زَمَنِهَا ثَلَاثًا بَعْدَ الْعِلْمِ كَالتَّعْزِيَةِ أَيْضًا.
(خَاتِمَةٌ)
الْمُعْتَمَدُ مِنْ مَذْهَبِنَا الْمُوَافِقِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَادِّعَاءُ نَسْخِهَا لَمْ يَثْبُتْ مَا يَدُلُّ لَهُ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَتِيرَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَهِيَ مَا يُذْبَحُ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَجَبٍ وَالْفَرَعَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ أَوَّلُ نِتَاجِ الْبَهِيمَةِ يُذْبَحُ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا مَنْدُوبَتَانِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِمَا لَيْسَ إلَّا التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ بِالتَّصَدُّقِ بِلَحْمِهِمَا عَلَى الْمُحْتَاجِينَ فَلَا تَثْبُتُ لَهُمَا أَحْكَامُ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(كِتَابٌ)
بَيَانُ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ (الْأَطْعِمَةِ) وَمَعْرِفَتُهُمَا مِنْ آكَدِ مُهِمَّاتِ الدِّينِ لِمَا فِي تَنَاوُلِ الْحَرَامِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْمُشَارِ إلَى بَعْضِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] . (حَيَوَانُ الْبَحْرِ) أَيْ مَا يَعِيشُ فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ عَيْشُهُ خَارِجَهُ عَيْشَ مَذْبُوحٍ أَوْ حَيٍّ لَكِنَّهُ لَا يَدُومُ (السَّمَكُ مِنْهُ حَلَالٌ كَيْفَ مَاتَ) بِسَبَبٍ أَوْ غَيْرِهِ طَافِيًا أَوْ رَاسِبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] أَيْ مَصِيدُهُ وَمَطْعُومُهُ وَفَسَّرَ طَعَامَهُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِمَا طَفَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَصَحَّ خَبَرُ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ وَمَرَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْ الْعَنْبَرِ وَكَانَ طَافِيًا» نَعَمْ إنْ انْتَفَخَ الطَّافِي وَأَضَرَّ حَرُمَ وَأَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُ الصَّغِيرِ وَيُتَسَامَحُ بِمَا فِي جَوْفِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْأَصْحَابِ (قَوْلُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَنَّأَ بِمَا جَاءَ عَنْ الْحَسَنِ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي أَنَّ مُسْتَنَدَهُمْ فِي سَنِّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ مَجِيئِهِ عَنْ الْحَسَنِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ ابْنَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُمَا اهـ سم وَقَدْ يُقَالُ إطْبَاقُهُمْ عَلَيْهَا كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَقَالَ إلَخْ) مِنْ عَطْفِ الْمُفَصَّلِ عَلَى الْمُجْمَلِ (قَوْلُهُ إنَّ هَذَا) أَيْ الْقَوْلَ بِاسْتِحْبَابِ التَّهْنِئَةِ بِمَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ فَهُوَ حُجَّةٌ) أَيْ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ حُجِّيَّةِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ (قَوْلُهُ اتَّضَحَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا جَاءَ عَنْ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلُهُ فَإِطْبَاقُ الْأَصْحَابِ إلَخْ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي) إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ خَاتِمَةٌ إلَى أَنَّ الْعَتِيرَةَ (قَوْلُهُ امْتِدَادُ زَمَنِهَا) أَيْ التَّهْنِئَةِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ) أَيْ أَوْ الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ اهـ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَلَّمَ إلَخْ) غَايَةٌ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ النُّسَخِ (قَوْلُهُ إنَّ الْعَتِيرَةَ إلَخْ) قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ آكَدُ الدِّمَاءِ الْمَسْنُونَةِ الْهَدَايَا ثُمَّ الضَّحَايَا ثُمَّ الْعَقِيقَةُ ثُمَّ الْعَتِيرَةُ ثُمَّ الْفَرْعُ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَهِيَ مَا يُذْبَحُ إلَخْ) وَيُسَمُّونَهُ الرَّجَبِيَّةَ أَيْضًا اهـ مُغْنِي.
[كِتَابٌ بَيَانُ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ]
(كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ) (قَوْلُهُ بَيَانٌ) إلَى قَوْلِهِ قِيلَ النَّسْنَاسُ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْمَتْنِ وَقَوْلَهُ وَالْفَاءُ إلَى الْمَتْنِ وَقَوْلَهُ جَرَى إلَى وَقِيلَ وَمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ أَوْحَى إلَى الْمَتْنِ وَقَوْلَهُ وَلَا يَتَنَجَّسُ بِهِ الدُّهْنُ وَقَوْلَهُ وَلَوْ حَيًّا (قَوْلُهُ بَيَانُ مَا يَحِلُّ إلَخْ) أَيْ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ) الْأَوْلَى وَمَا يَحْرُمُ كَمَا فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ وَمَعْرِفَتُهُمَا) أَيْ مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ الْمُشَارُ إلَى بَعْضِهِ بِقَوْلِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ أَيْ لَحْمٌ إلَخْ وَهِيَ أَوْلَى وَأَخْصَرُ (قَوْلُهُ إلَى بَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ أَفْرَادِ الْوَعِيدِ (قَوْلُهُ أَوْحَى) مُقَابَلَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ تُفِيدُ أَنْ لَيْسَ عَيْشُهُ عَيْشَ مَذْبُوحٍ اهـ سم عِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ أَوْحَى عَطْفٌ عَلَى مَذْبُوحٍ وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ أَوْحَى حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً وَإِلَّا فَمَا حَرَكَتُهُ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَيٌّ.
(فَرْعٌ)
اسْتِطْرَادِيٌّ وُقُوعُ السُّؤَالِ عَنْ بِئْرِ تَغَيَّرَ مَاؤُهَا ثُمَّ فُتِّشَتْ فَوُجِدَ فِيهَا سَمَكَةٌ مَيِّتَةٌ فَأُحِيلَ التَّغَيُّرُ عَلَيْهَا فَهَلْ الْمَاءُ طَاهِرٌ أَوْ مُتَنَجِّسٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ بَلْ الْمُتَعَيَّنُ الطَّهَارَةُ لِأَنَّ مَيْتَةَ السَّمَكِ طَاهِرَةٌ وَالْمُتَغَيِّرُ بِالطَّاهِرِ لَا يَتَنَجَّسُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهَا أَجْزَاءٌ تُخَالِطُ الْمَاءَ وَتُغَيِّرُهُ فَهُوَ طَهُورٌ وَإِلَّا فَغَيْرُ طَهُورٍ إنْ كَثُرَ التَّغَيُّرُ بِحَيْثُ يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّهُ لَا يَدُومُ) سَيَأْتِي مُحْتَرِزُهُ فِي قَوْلِهِ دَائِمًا عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَا يَعِيشُ اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ بِسَبَبٍ) أَيْ ظَاهِرٍ كَصَدْمَةِ حَجَرٍ أَوْ ضَرْبَةِ صَيَّادٍ أَوْ انْحِسَارِ مَاءٍ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَصَحَّ خَبَرٌ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَإِلَيْهِ أَيْ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ يُشِيرُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الطَّهُورُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمَرَّ) أَيْ فِي أَوَائِلِ بَابِ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ حَرُمَ) أَيْ تَنَاوُلُهُ مِنْ حَيْثُ الضَّرَرُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يَحِلُّ إلَخْ) أَيْ وَمَرَّ أَنَّهُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُ الصَّغِيرِ) وَكَذَا الْكَبِيرُ إنْ لَمْ يَضُرَّ أَمَّا قَلْيُ الْكَبِيرِ وَشْيُهُ قَالَ م ر فَمُقْتَضَى تَقْيِيدِهِمْ حِلَّ ذَلِكَ بِالصَّغِيرِ حُرْمَتُهُ وَأَقَرَّهُ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّغِيرِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَأُسْتَاذُهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الصَّوَابُ تَحْرِيمُ حَلْقِهَا جُمْلَةً لِغَيْرِ عِلَّةٍ بِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ الْقَلَنْدَرِيَّةُ.
(قَوْلُهُ: قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَنَّأَ بِمَا جَاءَ عَنْ الْحَسَنِ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي أَنَّ مُسْتَنَدَهُمْ فِي سَنِّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ مَجِيئِهِ عَنْ الْحَسَنِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ ابْنُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُمَا
(كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ)
(وَقَوْلُهُ: أَوْحَى إلَخْ) مُقَابَلَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ تُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ عَيْشُهُ عَيْشَ مَذْبُوحٍ فَكَيْفَ يُشْكِلُ حِينَئِذٍ إطْلَاقُ قَوْلِهِمْ إنَّمَا
الصفحة 377
412