كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 9)

وَمُسْكِرٌ كَكَثِيرِ أَفْيُونٍ وَحَشِيشٍ وَجَوْزَةٍ وَعَنْبَرٍ وَزَعْفَرَانٍ وَجِلْدٍ دُبِغَ وَمُسْتَقْذَرٍ أَصَالَةً بِالنِّسْبَةِ لِغَالِبِ ذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ كَمُخَاطٍ وَمَنِيٍّ وَبُصَاقٍ وَعَرَقٍ لَا لِعَارِضٍ كَغُسَالَةِ يَدٍ وَلَحْمٍ مَثَلًا أَنْتَنَ وَخَرَجَ بِالْبُصَاقِ وَهُوَ مَا يُرْمَى مِنْ الْفَمِ الرِّيقُ وَهُوَ مَا فِيهِ فَلَا يَحْرُمُ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ مَا دَامَ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُصُّ لِسَانَ عَائِشَةَ»
وَصَحَّ فِي حَدِيثِ: «هَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك» مَالِكٌ وَلُعَابُهَا بِضَمِّ اللَّامِ وَقَوْلُ عِيَاضٍ إنَّهُ بِكَسْرِ اللَّامِ لَا غَيْرُ مَرْدُودٌ فَالْإِغْرَاءُ عَلَى رِيقِهَا صَرِيحٌ فِي حِلِّ تَنَاوُلِهِ وَلَوْ وَقَعَتْ مَيِّتَةً لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةً وَلَمْ تَكْثُرْ بِحَيْثُ تُسْتَقْذَرُ أَوْ قِطْعَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ فِي طَبِيخِ لَحْمٍ مُذَكًّى لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُ الْجَمِيعِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي الثَّانِيَةِ وَإِذَا وَقَعَ بَوْلٌ فِي قُلَّتَيْ مَاءٍ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ جَازَ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا اُسْتُهْلِكَ فِيهِ صَارَ كَالْعَدَمِ

(وَمَا كُسِبَ بِمُخَامَرَةِ نَجَسٍ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ مَكْرُوهٌ) لِلْحُرِّ وَإِنْ كَسَبَهُ قِنٌّ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ وَلَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى حَاجِمَهُ أُجْرَتَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ حَرُمَ لَمْ يُعْطِهِ لِأَنَّهُ حَيْثُ حَرُمَ الْأَخْذُ حَرُمَ الْإِعْطَاءُ كَأُجْرَةِ النَّائِحَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَإِعْطَاءِ شَاعِرٍ أَوْ ظَالِمٍ أَوْ قَاضٍ خَوْفًا مِنْهُ فَيَحْرُمُ الْأَخْذُ فَقَطْ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «كَسْبُ الْحَاجِمِ خَبِيثٌ» فَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِهِ الدَّنِيءُ عَلَى حَدٍّ {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] وَعِلَّةُ خُبْثِهِ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ وَمِنْ ثَمَّ أَلْحَقُوا بِهِ كُلَّ كَسْبٍ حَصَلَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا كَزَبَّالٍ وَدَبَّاغٍ وَقَصَّابٍ نَعَمْ صَحَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ كَسْبُ الْفَصَّادِ لِقِلَّةِ مُبَاشَرَتِهِ لَهَا وَقِيلَ دَنَاءَةُ الْحِرْفَةِ وَانْتَصَرَ لَهُ الْبُلْقِينِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَكَثِيرِ أَفْيُونٍ وَحَشِيشٍ إلَخْ) أَمَّا الْقَلِيلُ مِمَّا ذَكَرَ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ بِوَجْهٍ يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الِاحْتِيَاجِ وَالتَّعَيُّنِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ لَا ضَرَرَ فِيهِ نَعَمْ مَنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ، أَنَّ تَنَاوُلَهُ لِقَلِيلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَدْعُوهُ إلَى تَنَاوُلِ مَا يَضُرُّ مِنْهُ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا، هُوَ ظَاهِرٌ اهـ إيعَابٌ (قَوْلُهُ وَجَوْزَةٌ) أَيْ جَوْزَةُ طِيبٍ اهـ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَجِلْدٌ دُبِغَ) أَيْ لِمَيِّتِهِ أَمَّا جِلْدُ الْمُذَكَّاةِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ دُبِغَ مُغْنِي وَأَسْنَى (قَوْلُهُ: كَمُخَاطٍ وَمَنِيٍّ) وَالْحَيَوَانُ الْحَيُّ غَيْرَ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَفِي حِلِّ أَكْلِ بَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ خِلَافٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ حَلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ وَمَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَى الْمَنْعِ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ: مَثَلًا) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَلَوْ نَتُنَ اللَّحْمُ أَوْ الْبَيْضُ لَمْ يَنْجُسْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَطْعًا وَيَحِلُّ أَكْلُ النَّقَانِقِ وَالشَّوِيِّ وَالْهَرَائِسَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو مِنْ الدَّمِ غَالِبًا اهـ.
(قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ الْفَمِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ إلَّا لِعَارِضٍ نَحْوُ مَحَبَّةٍ وَهَذَا لَا نَظَرَ إلَيْهِ فَهُوَ مُسْتَقْذَرٌ أَصَالَةً بِالنِّسْبَةِ لِغَالِبِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ إذْ اسْتِقْذَارُهُ إنَّمَا يَنْتَفِي بِالنِّسْبَةِ لِنَحْوِ الْمُحَبِّ مِنْ الْإِفْرَادِ فَتَأَمَّلْ اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْله بِحَيْثُ تُسْتَقْذَرُ) أَيْ أَمَّا مَا اُسْتُقْذِرَتْ فَتَحْرُمُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقْذِرْهُ خُصُوصٌ مَنْ أَرَادَ تَنَاوُلَهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: أَوْ قِطْعَةٌ) إلَى قَوْلِهِ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ لَحْمٌ مُذَكَّى.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُ الْجَمِيعِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تُسْتَهْلَكْ وَتَمَيَّزَتْ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ خِلَافُهُ اهـ سم عِبَارَةُ الْمُغْنِي قَالَ الْغَزَالِيُّ لَمْ يَحِلَّ مِنْهُ شَيْءٌ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ وَخَالَفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ الْمُخْتَارُ الْحِلُّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ وَلَوْ تَحَقَّقَ إصَابَةَ رَوْثِ الثِّيرَانِ الْقَمْحَ عِنْدَ دَوْسِهِ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ وَيُسَنُّ غَسْلُ الْفَمِ عَنْهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ اهـ.

(قَوْلُ الْمَتْنِ وَكَنْسٍ) أَيْ النَّجَسِ كَزِبْلٍ مُغْنِي وَشَرْحُ مَنْهَجٍ (قَوْلُ الْمَتْنِ مَكْرُوهٌ) أَيْ تَنَاوُلُهُ اهـ شَرْحُ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: لِلْحُرِّ) إلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ فِي النِّهَايَةِ وَإِلَى قَوْلِهِ فَيُكْرَهُ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ أَوْ قَاضٍ وَقَوْلُهُ وَأَمَّا خَبَرُ إلَى وَعِلَّةُ خُبْثِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَسَبَهُ قِنٌّ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى، أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ مَوْصُولَةٌ وَفَسَّرَ الْمُغْنِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مَا كَسَبَ بِالْكَسْبِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَرَرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، أَنَّ مَا فِي كَلَامِهِ مَصْدَرِيَّةٌ لَا مَوْصُولَةٌ وَإِلَّا لَكَانَ الْمَعْنَى، إنَّ الْمَكْسُوبَ بِذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَنَفْسُ الْمَكْسُوبِ لَا يُوصَفُ بِكَرَاهَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ الْكَرَاهَةُ بِالْكَسْبِ اهـ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى إلَخْ) هَذَا الدَّلِيلُ، إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ رَشِيدِيٌّ أَيْ الْمَرْجُوحَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَرُمَ لَمْ يُعْطِهِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ، أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَيَّنَهُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ مُغْنِي زَادَ سم بَعْدَ ذِكْرِ مِثْلِ ذَلِكَ عَنْ الْأَسْنَى إلَّا أَنْ يُقَالَ لَعَلَّهُ كَانَ مَعْلُومًا اهـ.
(قَوْلُهُ: كَإِعْطَاءِ شَاعِرٍ) لِئَلَّا يَهْجُوَهُ مُغْنِي وَأَسْنَى وَمُقْتَضَاهُ، أَنَّ إعْطَاءَهُ لِيَظْهَرَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ لَا يَحْرُمُ كَمَا مَالَ إلَيْهِ ع ش آخِرًا (قَوْلُهُ: أَوْ ظَالِمٌ) أَيْ لِئَلَّا يَمْنَعَهُ حَقُّهُ أَوْ لِئَلَّا يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ مُغْنِي وَأَسْنَى (قَوْلُهُ: فَيَحْرُمُ الْأَخْذُ فَقَطْ) أَيْ وَلَا يَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ لِمَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَعِلَّةُ خُبْثِهِ) أَيْ كَسْبُ الْحَاجِمِ وَكَذَا ضَمِيرٌ بِهِ (قَوْلُهُ نَعَمْ صَحَّحَ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ لِإِفْصَادٍ عَلَى الْأَصَحِّ لِقِلَّةِ مُبَاشَرَتِهِ لَهَا وَكَذَا حَلَّاقٌ وَحَارِسٌ وَحَائِكٌ وَصَبَّاغٌ وَصَوَّاغٌ وَمَاشِطَةٌ إذْ لَا مُبَاشَرَةَ لِلنَّجَاسَةِ فِيهَا اهـ قَالَ ع ش وَمِثْلُ الْمَاشِطَةِ الْقَابِلَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ دَنَاءَةُ الْحِرْفَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSإذَا غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ أَوْ لَا فَلْيُرَاجَعْ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ هُنَاكَ وَفَصَّلُوا فِيهِ ثُمَّ (قَوْلُهُ: وَمُسْكِرٌ كَكَثِيرِ أَفْيُونٍ وَحَشِيشٍ إلَخْ) فِي الرَّوْضِ وَيَحْرُمُ مُسْكِرٌ كَالنَّبَاتِ وَإِنْ لَمْ يُطْرِبْ وَلَا حَدَّ فِيهِ اهـ. وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْحَدِّ وَإِنْ أَطْرَبَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَعْنَى خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ (قَوْلُهُ: وَجِلْدٌ دُبِغَ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَيَحِلُّ أَكْلُ طَاهِرٍ لَا ضَرَر فِيهِ إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ دُبِغَ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَخَرَجَ بِالْمَيْتَةِ جِلْدُ الْمُذَكَّاةِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ دُبِغَ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ قِطْعَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ فِي طَبِيخِ لَحْمٍ مُذَكًّى لَمْ يَحْرُمْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تُسْتَهْلَكْ وَتُمَيَّزْ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ خِلَافُهُ فَرَاجِعْهُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ حُرِّمَ لَمْ يُعْطِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ

الصفحة 388