كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 9)
فَيُكْرَهُ كَسْبُ كُلِّ ذِي حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ كَحَلَّاقٍ وَحَارِسٍ وَحَائِكٍ وَصَبَّاغٍ وَصَوَّاغٍ وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ كَسْبُ حَائِكٍ
وَحَكَى وَجْهَيْنِ فِي الصَّبَّاغِينَ وَالصَّوَّاغِينَ لِكَثْرَةِ إخْلَافِهِمْ الْوَعْدَ وَالْوُقُوعِ فِي الرِّبَا وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِحُرٍّ وَغَيْرِهِ مَكْسُوبٌ بِحِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ وَفِي خَبَرٍ لِأَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ «أَكْذَبُ النَّاسِ الصَّبَّاغُونَ وَالصَّوَّاغُونَ» وَحَرَّمَ الْحَسَنُ كَسْبَ الْمَاشِطَةِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو غَالِبًا عَنْ حَرَامٍ أَوْ تَغْيِيرٍ لِخَلْقِ اللَّهِ
(وَيُسَنُّ) لِلْحُرِّ (أَنْ لَا يَأْكُلَهُ) بَلْ يُكْرَهُ لَهُ أَكْلُهُ وَهُوَ مِثَالٌ إذْ سَائِرُ وُجُوهِ الْإِنْفَاقِ حَتَّى التَّصَدُّقُ بِهِ كَذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ (وَ) أَنْ (يُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ) أَيْ بَعِيرَهُ الَّذِي يَسْتَقِي عَلَيْهِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ اسْتَأْذَنَهُ فِي أُجْرَةِ الْحَجَّامِ عَنْهَا فَلَا زَالَ يَسْأَلُهُ حَتَّى قَالَ لَهُ اعْلِفْهُ نَاضِحَك وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَك وَآثَرَ لَفْظَ الرَّقِيقِ وَالنَّاضِحِ مَعَ لَفْظِ الْإِطْعَامِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَالْمُرَادُ وَيُمَوِّنُ بِهِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ قِنٍّ وَغَيْرِهِ وَلِدَنَاءَةِ الْقِنِّ لَاقَ بِهِ الْكَسْبُ الدَّنِيءُ بِخِلَافِ الْحُرِّ.
(فَرْعٌ)
يُسَنُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَحَرَّى فِي مُؤْنَةِ نَفْسِهِ وَمُمَوِّنِهِ مَا أَمْكَنَهُ فَإِنْ عَجَزَ فَفِي مُؤْنَةِ نَفْسِهِ وَلَا تَحْرُمُ مُعَامَلَةُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ وَلَا الْأَكْلُ مِنْهَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَنْكَرَ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ بِالْحُرْمَةِ مَعَ أَنَّهُ تَبِعَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
(فَرْعٌ)
أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ لِأَنَّهَا أَعَمُّ نَفْعًا وَأَقْرَبُ لِلتَّوَكُّلِ وَأَسْلَمُ مِنْ الْغِشِّ ثُمَّ الصِّنَاعَةُ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَعَبًا فِي طَلَبِ الْحَلَالِ أَكْثَرَ ثُمَّ التِّجَارَةُ
(وَيَحِلُّ جَنِينٌ وُجِدَ مَيِّتًا فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ) وَإِنْ أَشْعَرَ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَنْحَرُ الْإِبِلَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَيْ الْمَيِّتَ فَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» أَيْ وَذَكَاتُهَا الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لَهَا مَا لَمْ يَتِمَّ انْفِصَالُهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَإِلَّا اشْتَرَطَ ذَبْحُهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ بِأَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَيِّتًا كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ بِكَلَامِ الْإِمَامِ بَلْ رَجَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ خِلَافَهُ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ رَجَّحَ كَلَامَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ قَالَ إنَّهُ أَقْرَبُ لِلْمَنْقُولِ فَذُبِحَتْ قَبْلَ انْفِصَالِهِ حَلَّ؛ لِأَنَّ لِلْمُنْفَصِلِ بَعْضُهُ حُكْمَ الْمُتَّصِلِ كُلُّهُ غَالِبًا وَلَا أَثَرَ لِخُرُوجِهِ بَعْدَ ذَبْحِهَا حَيًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُغْنِي وَلَوْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ دَنِيئَةً بِلَا مُخَامَرَةِ نَجَاسَةٍ كَفَصْدٍ وَحِيَاكَةٍ لَمْ تُكْرَهْ إذْ لَيْسَ فِيهَا مُخَامَرَةُ نَجَاسَةٍ وَهِيَ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ لِكَرَاهَةِ مَا مَرَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَيُكْرَهُ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى كَوْنِ الْعِلَّةِ دَنَاءَةَ الْحِرْفَةِ (قَوْلُهُ: لِكَثْرَةِ إخْلَافِهِمْ إلَخْ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الصَّابِغِينَ وَالصَّوَّاغِينَ وَقَوْلُهُ وَالْوُقُوعُ إلَخْ رَاجِعٌ لِلصَّوَّاغِينَ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَالْوُقُوعُ فِي الرِّبَا) لِبَيْعِهِمْ الْمَصُوغَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَكَذَا النِّهَايَةُ وَالْمُغْنِي كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِحِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ) وَمِنْهَا حِرْفَةُ الْمَاشِطَةِ اهـ سم (قَوْلُهُ: وَفِي خَبَرِ إلَخْ) الْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ.
(قَوْلُهُ: بَلْ يُكْرَهُ) إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَيَحِلُّ فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ وَآثَرَ إلَى وَالْمُرَادُ وَمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ يُفْهِمُ جَوَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَلْبُوسًا أَوْ نَحْوَهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ التَّعْمِيمُ بِوُجُوهِ الْإِنْفَاقِ حَتَّى التَّصَدُّقَ بِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: بَلْ يُكْرَهُ لَهُ إلَخْ) وَلَا يُكْرَهُ لِلرَّقِيقِ وَإِنْ كَسَبَهُ حُرٌّ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِثَالٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي.
(تَنْبِيهٌ)
قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَأْكُلَهُ (قَوْلُهُ حَتَّى التَّصَدُّقَ بِهِ) هَلْ وَلَوْ لِنَحْوِ أَكْلِ رَقِيقٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ لَا اهـ سم وَيَظْهَرُ الثَّانِي أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ الْآتِي وَلِدَنَاءَةِ الْقِنِّ (قَوْلُهُ: عَنْهَا) أَيْ أُجْرَةُ الْحَجَّامِ وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّهْيِ (قَوْلُهُ: وَآثَرَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: وَلِدَنَاءَةِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَاقَ إلَخْ
(قَوْلُهُ: يُسَنُّ لِلْإِنْسَانِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي قَالَ فِي الذَّخَائِرِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ أَوْ شُبْهَةٌ وَالْكُلُّ لَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَخُصُّ نَفْسَهُ بِالْحَلَالِ فَإِنَّ التَّبِعَةَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُهُ وَالْعِيَالُ لَا تَعْلَمُهُ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يَجِيءُ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَنَّهُ وَأَهْلُهُ سَوَاءٌ فِي الْقُوتِ وَالْمَلْبَسِ دُونَ سَائِرِ الْمُؤَنِ مِنْ أُجْرَةِ حَمَّامٍ وَقِصَارَةِ ثَوْبٍ وَعِمَارَةِ مَنْزِلٍ وَفَحْمِ تَنُّورٍ وَشِرَاءِ حَطَبٍ وَدُهْنِ سِرَاجٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُؤَنِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَا تَحْرُمُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَلَوْ غَلَبَ الْحَرَامُ فِي يَدِ السُّلْطَانِ قَالَ الْغَزَالِيُّ حَرُمَتْ عَطِيَّتُهُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ الْكَرَاهَةُ لَا التَّحْرِيمُ مَعَ، أَنَّهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَرَى عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ اهـ
(قَوْلُهُ: أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يُبَاشِرْهَا بِنَفْسِهِ بِالْعَمَلَةِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: ثُمَّ التِّجَارَةُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بِهَا اهـ مُغْنِي
(قَوْلُ الْمَتْنِ وُجِدَ مَيِّتًا) أَوْ عَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ بِالْمُعْجَمَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَرَكَاتُهَا بِذَبْحِهَا أَوْ إرْسَالِ سَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ عَلَيْهَا اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَعَرَ) إلَى قَوْلِهِ كَمَا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ كَمَا صَحَّحَهُ إلَى فَذُبِحَتْ وَقَوْلُهُ وَإِنْ طَالَتْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَشْعَرَ) أَيْ نَبَتَ شَعْرٌ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُتِمَّ إلَخْ) ظَرْفٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَحِلُّ إلَخْ (قَوْلُهُ لَوْ خَرَجَ) أَيْ رَأْسُ الْجَنِينِ اهـ مُغْنِي قَوْلُهُ: أَوْ مَيِّتًا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ.
(قَوْلُهُ: بِكَلَامِ الْإِمَامِ) اعْتَمَدَهُ النِّهَايَةُ وَالْمُغْنِي وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ فَقَالُوا وَاللَّفْظُ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ مَيِّتًا وَاضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ سَكَنَ لَمْ يَحِلَّ أَوْ سَكَنَ عَقِبَهُ حَلَّ كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ لَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ وَإِنْ خَرَجَ رَأْسُهُ مَيِّتًا ثُمَّ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَمْ يَحِلَّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ اهـ أَقُولُ وَيُفْهَمُ ضَعْفُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ كَلَامِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) أَيْ وَرَأَيْت غَيْرَ ابْنِ الرِّفْعَةِ (قَوْلُهُ فَذُبِحَتْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ خَرَجَ (قَوْلُهُ: حَلَّ) أَيْ إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَعْطَاهُ لَهُ لِيُطْعِمَهُ رَقِيقَةَ وَنَاضِحَهُ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَوْ حَرُمَ بَيَّنَهُ لَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَعَلَّهُ كَانَ مَعْلُومًا (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ) كَتَبَ عَلَيْهِ م ر (قَوْلُهُ بِحِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ) وَمِنْهُ حِرْفَةُ الْمَاشِطَةِ (قَوْلُهُ حَتَّى التَّصَدُّقَ بِهِ) هَلْ وَلَوْ لِنَحْوِ أَكْلِ رَقِيقٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ لَا.
الصفحة 389
412