كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 9)
فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ لِجُوعٍ وَلَا عَطَشٍ كَمَا مَرَّ أَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ الْمُحَرَّمِ حَتَّى يَتُوبَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَا مُرْتَدٌّ وَحَرْبِيٌّ حَتَّى يُسْلِمَا وَتَارِكُ صَلَاةٍ وَقَاطِعُ طَرِيقٍ حَتَّى يَتُوبَا اهـ. وَيَظْهَرُ فِيمَنْ لَا تَسْقُطُ تَوْبَتُهُ قَتْلُهُ كَزَانٍ مُحْصَنٍ أَنَّهُ يَأْكُلُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ وَأَمَّا الْمُشْرِفُ عَلَى الْمَوْتِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ وَلَوْ وُجِدَ لُقْمَةً حَلَالًا لَزِمَهُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَرَامِ
(فَإِنْ تَوَقَّعَ) أَيْ ظَنَّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (حَلَالًا) يَجِدُهُ (قَرِيبًا) أَيْ عَلَى قُرْبٍ بِأَنْ لَمْ يَخْشَ مَحْذُورًا قَبْلَ وُصُولِهِ (لَمْ يَجُزْ غَيْرُ سَدِّ) بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ الْمُعْجَمَةِ (الرَّمَقِ) وَهُوَ بَقِيَّةُ الرُّوحِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْقُوَّةُ عَلَى مُقَابِلِهِ (وَإِلَّا) يَتَوَقَّعُهُ (فَفِي قَوْلٍ يَشْبَعُ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ أَيْ يَكْسِرُ ثَوْرَةَ الْجُوعِ بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى جَائِعًا لَا أَنْ لَا يَجِدَ لِلطَّعَامِ مَسَاغًا أَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَحَرَامٌ قَطْعًا وَلَوْ شَبِعَ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْحِلِّ لَزِمَهُ كَكُلِّ مَنْ تَنَاوَلَهُ مُحَرَّمًا وَلَوْ مُكْرَهًا التَّقَيُّؤُ إنْ أَطَاقَهُ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً
(وَالْأَظْهَرُ سَدُّ الرَّمَقِ فَقَطْ) لِأَنَّهُ بَعْدَهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ نَعَمْ إنْ تَوَقَّفَ قَطْعُهُ لِبَادِيَةٍ مُهْلِكَةٍ عَلَى الشِّبَعِ وَجَبَ وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ مَتَى خَشَى الْهَلَاكَ لَوْ تَرَكَ الشِّبَعَ لَزِمَهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ لِجُوعٍ وَلَا عَطَشٍ) وَمُحِلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْتَهِ بِهِ الْأَمْرُ إلَى الْهَلَاكِ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ شُرْبُهُ كَمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَمُحِلُّ مَنْعِ التَّدَاوِي بِهِ إذَا كَانَ خَالِصًا بِخِلَافِ الْمَعْجُونِ بِهِ كَالتِّرْيَاقِ لِاسْتِهْلَاكِهِ فِيهِ وَخَرَجَ بِمَا قَالَ شُرْبُهُ لَا سَاغَهُ لُقْمَةً فَيَحِلُّ اهـ أَسْنَى (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْأَشْرِبَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَنَحْوِهِ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتُوبَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِه أَنْ يَكُونَ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ كَالْمُسَافِرِ إذَا كَانَ الْأَكْلُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الْإِقَامَةِ وَقَوْلُهُمْ يُبَاحُ الْمَيْتَةُ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ.
وَفِي سم بَعْدَ ذِكْرِ مَقَالَةِ الْأَذْرَعِيِّ عَنْ الْأَسْنَى مَا نَصُّهُ وَيُحْتَمَلُ، أَنَّ الشَّارِحَ أَرَادَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَنَحْوِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَاطِعُ طَرِيقٍ) أَيْ قَاتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ، أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ، إنَّهُ يَأْكُلُ، أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ اهـ سم.
(قَوْلُهُ: لَزِمَهُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَرَامِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسُدَّ رَمَقَهُ ثُمَّ يَتَعَاطَى مِنْ الْحَرَامِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ اهـ ع ش وَقَالَ سم يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِتَقْدِيمِهَا مَا يَشْمَلُ مُقَارَنَتَهُمَا كَأَنْ يَضَعَ قِطْعَةً مِنْ الْحَرَامِ عَلَى اللُّقْمَةِ وَيَتَنَاوَلُهُمَا اهـ وَيَدْفَعُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ قَوْلُ الْمُغْنِي وَيَبْدَأُ وُجُوبًا بِلُقْمَةٍ حَلَالٍ ظَفِرَ بِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا ذَكَرَ حَتَّى يَأْكُلَهَا لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: عَلَى قُرْبٍ) إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ وَجَدَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَبَحَثَ إلَى الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ وَقِيَاسُهُ إلَى وَإِذَا وَقَوْلُهُ أَيْ إنْ كَانَ إلَى وَقَيَّدَ وَقَوْلُهُ وَرَقِيقُهُمْ (قَوْلُ الْمَتْنِ لَمْ يَجُزْ) أَيْ قَطْعًا غَيْرُ سَدِّ الرَّمَقِ أَيْ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ وَقَدْ يَجِدُ بَعْدَهُ الْحَلَالَ مُغْنِي وَأَسْنَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ بَقِيَّةُ الرُّوحِ) وَلَعَلَّ التَّعْبِيرَ بِبَقِيَّةِ الرُّوحِ، أَنَّهُ نَزَّلَ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْجُوعِ مَنْزِلَةَ ذَهَابِ بَعْضِ رُوحِهِ الَّتِي بِهَا حَيَاتُهُ فَعَبَّرَ عَنْ حَالِهِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ بِبَقِيَّةِ الرُّوحِ مَجَازًا وَإِلَّا فَالرُّوحُ لَا تَتَجَزَّأُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَسْنَى وَالْمُغْنِي قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالرَّمَقُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ، إنَّهُ الْقُوَّةُ وَبِذَلِكَ ظَهَرَ لَك، أَنَّ السَّدَّ الْمَذْكُورَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالْمُهْمَلَةِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الَّذِي نَحْفَظُهُ، أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْكُتُبِ أَيْ وَالْمُغْنِي عَلَيْهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ سَدُّ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ الْجُوعِ اهـ.
(قَوْلُهُ يَتَوَقَّعُهُ) أَيْ الْحَلَالَ قَرِيبًا اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ: لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ) إلَى قَوْلِهِ وَيَجِبُ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ نَعَمْ إلَى الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ) أَيْ مَا يَكْسِرُ سَوْرَةَ الْجُوعِ بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى جَائِعًا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَبِعَ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَلَوْ شَبِعَ فِي حَالِ امْتِنَاعِهِ ثُمَّ قَدَرَ إلَخْ قَالَ ع ش قَوْلُهُ: فِي حَالِ امْتِنَاعِهِ إلَخْ قَضِيَّتُهُ، أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ أَوْ امْتَنَعَ لَكِنْ لَمْ يَقْدِرْ بَعْدَ التَّنَاوُلِ عَلَى الْحِلِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّقَيُّؤُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَيُنَافِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي أَوَّلِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَيَلْزَمُهُ كَكُلِّ آكِلٍ أَوْ شَارِبِ حَرَامٍ تَقَيُّؤُهُ إنْ أَطَاقَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى عُذْرِهِ وَإِنْ لَزِمَهُ التَّنَاوُلُ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ فِي الْبَاطِنِ انْتِفَاعٌ بِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَإِنْ حَلَّ ابْتِدَاؤُهُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَنَحْوِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ كَالْمُسَافِرِ إذَا كَانَ الْأَكْلُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الْإِقَامَةِ وَقَوْلُهُمْ تُبَاحُ الْمَيْتَةُ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الشَّارِحَ أَرَادَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَا مُرْتَدٌّ وَحَرْبِيٌّ إلَى آخِرِ الْكَلَامِ) عَطْفُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَنَحْوِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَنَحْوِهِ مَا عَدَا جَمِيعَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَلْيُنْظَرْ مَا هُوَ (قَوْلُهُ: وَحَرْبِيٌّ) قَضِيَّتُهُ إخْرَاجُ الذِّمِّيِّ فَهَلْ قِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ الذِّمَّةِ لِلْحَرْبِيِّ كَإِسْلَامِهِ فَيُقَالُ فِي حَقِّهِ حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يُعْقَدَ لَهُ ذِمَّةٌ (قَوْلُهُ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَا مُرْتَدٌّ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ قَالَ وَكَذَا مُرَاقُ الدَّمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ قُتِلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ قَدْ يَخْرُجُ الزَّانِي الْمُحْصَنُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ يَأْكُلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ.
(قَوْلُهُ: لَزِمَهُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَرَامِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِتَقْدِيمِهَا مَا يَشْمَلُ مُقَارَنَتَهَا كَأَنْ يَضَعَ قِطْعَةً مِنْ الْحَرَامِ عَلَى اللُّقْمَةِ وَيَتَنَاوَلُهُمَا مَعًا.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَخْشَ مَحْذُورًا قَبْلَ وُصُولِهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ لَمْ يَخْشَ مَحْذُورًا قَبْلَ وُصُولِهِ بَعْدَ سَدِّ الرَّمَقِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَخْشَ مَحْذُورًا كَذَلِكَ بِدُونِ سَدِّ الرَّمَقِ فَيَنْبَغِي امْتِنَاعُ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ أَيْضًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ سَدُّ رَمَقٍ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: الرَّمَقُ وَهُوَ بَقِيَّةُ الرُّوحِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ
الصفحة 391
412