كتاب حكم الجاهلية

العادل في كل شيء" [انتهى قول الحافظ ابن كثير].
وقد قال عز شأنه قبل ذلك مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ) [المائدة: 48] وقال تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) [المائدة: 49] وقال تعالى: مخيراً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، بين الحكم بين اليهود والإعراض عنهم إن جاءوه لذلك: (فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [المائدة: 42] والقسط هو: العدل، ولا عدل حقاً إلا حكم الله ورسوله، والحكم بخلافه هو الجور، والظلم والضلال والكفر، والفسوق، ولهذا قال تعالى بعد ذلك: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة:44] (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [المائدة: 45] (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [المائدة:47].
فانظر كيف سجل تعالى على الحاكمين بغير ما أنزل الله الكفر والظلم والفسوق، ومن الممتنع أن يسمّي الله سبحانه الحاكمَ بغير ما أنزل الله كافراً ولا يكون كافراً، بل هو كافر مطلقاً، إما كفر عمل وإما كفر اعتقاد، وما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية من رواية طاووس وغيره يدل أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة، أما الأول، وهو كفر الاعتقاد فهو

الصفحة 13