كتاب حكم الجاهلية

بالدين، وافتراء على الله ورسوله.
ثم تركوا باقي القصة، الذي يدمغ افتراءهم -ولا أقول استدلالهم- وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحادثة نفسها: "وإني لست أحرم حلالاً، ولا أحل حراماً، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً".
واللفظان الكريمان رواهما الشيخان: البخاري ومسلم. انظر البخاري 9: 286 - 287، و6: 149 (فتح). ومسلم2: 247 - 248.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، المبلغ عن الله، والذي كلمته الفصل في بيان الحلال والحرام، يصرح باللفظ العربي المبين -في أدق حادث يمس أحب الناس إليه، وهي ابنته الكريمة السيدة الزهراء- بأنه لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً، ولكنه يستنكر أن تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله في عصمة رجل واحد.
وعندي وفي فهمي: أنه صلى الله عليه وسلم لم يمنع علياً من الجمع بين بنته وبنت أبي جهل بوصفه رسولاً مبلغاً عن ربه حكماً تشريعياً؛ بدلالة تصريحه بأنه لا يحرم حلالاً ولا يحل حراماً، وإنما منعه منعاً شخصياً بوصفه رئيس الأسرة التي منها على ابن عمه وفاطمة ابنته، بدلالة أن أسرة بنت أبي جهل هي التي جاءت تستأذنه فيما طلب إليهم علي رضي الله عنه. وكلمة رئيس الأسرة مطاعة من غير شك، خصوصاً إذا كان ذلك الرئيس هو سيد قريش، وسيد العرب، وسيد الخلق أجمعين، صلى الله عليه وسلم.

الصفحة 256