كتاب حسن السمت في الصمت

وقواعد الكلام كثيرة , منها على سبيل المثال لا الحصر: ألا تتكلم إلا فيما يعنيك وتترك ما لا يعنيك , ولا تتكلم إلا عندما تٌستدعى إلى الكلام ولا تجيب إلا عندما تسأل , ولا تجيب إلا عن علم , فالسلف الصالح كانوا يميلون إلى السكوت لا إلى الكلام , بل منهم من كان يغضب عندما يسأله شخص عن مسألة هو - أي المسئول - على علم بها , أما ما نراه اليوم من لغط الكلام وكثرته على علم وبدون علم وتعدى الناس اليوم وجرأتهم على كتاب الله وسنة نبيه , فهم يفتون في الدين بغير علم ويكذبون على رسول الله وينسبون إليه أقوالًا وأحاديث وفتاوى لم تثبت عنه , فليتبوءوا مقاعدهم من النار.
كان السلف الصالح يخافون من الكلام والفتوى وهم على علم , ونحن نتكلم من غير علم - رحمنا الله وغفر لنا - ألا تعلم أنه إن كان السكوت في بعض الأحيان من الأشياء التي تندم عليها , فإن ندمك على الكلام سيكون أكبر وأعظم , بل إنك قد لا تندم على سكوتك وتندم على كلامك في كثير من الأحيان وجُلها.
أما بالنسبة لطالب العلم فإن عليه أن يميل إلى السكوت أكثر من العامة , وعليه أن يتحلى بآداب الصمت وحسن السمت أكثر من غيره , " فأدب العلم أكثر من العلم" (¬1) أي أن تعلم السمت الصالح في العلم أفضل من تعلم العلم نفسه , فالسلف كانوا يتعلمون من شيوخهم هديهم قبل أن يأخذوا عنهم علمهم , فكانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا العلم عنه نظروا إلى صلاته وسمته وهيئته ثم يأخذون عنه فعن الأعمش - رضي الله عنه - ... قال: " كانوا يتعلمون من الفقيه كل شيء حتى لباسه ونعليه " (¬2)
¬_________
(¬1) السفاريني في " غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب " (1/ 36) , ط: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان.
(¬2) " الآداب الشرعية في شرح منظومة الآداب " لابن مفلح المقدسي: (2/ 145) , تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعمر القيام , طبعة: مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثالثة , 1419هـ / 1999م.

الصفحة 9