كتاب حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية
والناس إذ ذاك أحد رجلين: إما كتابي معتصم بكتاب: إما مبدَّل، وإما مبدَّل منسوخ، ودين دارس (¬1)، بعضه مجهول، وبعضه متروك .. وإما أمِّي من عربي وعجمي، مقبل على عبادة ما استحسنه وظن أنه ينفعه من نجم أو وثن، أو قبر، أو تمثال، أو غير ذلك.
والناس في جاهلية جهلاء، من مقالات يظنونها علمًا وهي جهل، وأعمال يحسبونها صلاحًا وهي فساد، وغاية البارع منهم علمًا وعملًا أن يُحَصِّل قليلًا من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين، قد اشتبه عليهم حقه بباطله، أو يشتغل بعمل القليل منه مشروع، وأكثره مبتدَع لا يكاد يؤثر في صلاحه إلا قليلًا، أو أن يكدح بنظره كدح المتفلسفة، فتذوب مهجته في الأمور الطبيعية والرياضية، وإصلاح الأخلاق، حتى يصل - إن وصل - بعد الجهد الذي لا يوصف، إلى نزر قليل مضطرب، لا يروي ولا يشفي من العلم الإلهي، باطله أضعاف حقه - إن حصل - وأنَّى له ذلك مع كثرة الاختلاف بين أهله، والاضطراب وتعذر الأدلة عليه والأسباب.
فهدى الله الناس ببركة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به من البينات والهدى، هداية جلت عن وصف الواصفين، وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين عمومًا، ولأولي العلم منهم خصوصًا، من العلم النافع، والعمل الصالح، والأخلاق العظيمة، والسنن المستقيمة، ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علمًا وعملًا، الخالصة من كل شوب، إلى الحكمة التي بعث بها، لتفاوتا تفاوتًا يمنع معرفة قدر النسبة بينهما، فلله الحمد كما يحب ربنا ويرضى» (¬2).
¬_________
(¬1) أي مندثر.
(¬2) من كلام شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله (661 - 728هـ)، انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، ص (8 - 9).
الصفحة 10
704