كتاب حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية
وما عاد يصعب على من يتأمل ساحة الأحداث ملاحظة أن المصلحة الحقيقية تقتضي اتفاق القطب الرومي والفارسي على اقتلاع الكيان السنِّي من المنطقة، ودع عنك المناوشات والحرب الكلامية بين الطرفين، فهم إن صدقوا في بعضها فهو من باب سياسة (عض الأصابع) التي يلجئون إليها عادة في حال تغيُّر (قواعد اللعبة)! (¬1).
...
لقد تتابعت الأحصنة الخشبية في زماننا وتكاثرت؛ بين شرقية وغربية، رومية وفارسية، قومية عربية وتركية، كتابية ووثنية وإلحادية .. وكلها فُتحِت لها أبواب حصن (طروادة المسلمة)، دار السنَّة والجماعة .. وكان أخطرها فيما رأيت هما ما خصصت لهما القول. وكأني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: «إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل ينزَعُهُن ويغْلِبْنَه فيقْتَحِمْنَ فيها فأنا آخذ بحُجَزِكُم عن النار وأنتم تَقَحَّمون فيها» (¬2).
ورحم الله الشيخ الندوي (1332 - 1420هـ) إذ يقول (¬3): «إن الشعوب الإسلامية
¬_________
(¬1) ولعل من القرائن الدالة على ذلك إجماع ثلاثة من أشهر المحللين الأمريكيين المهتمين بقضايا الشرق الأوسط على أن تقارب واشنطن وطهران أمر وارد، في عهد إدارة (أوباما Obama) الأمريكية الجديدة [انظر، جريدة (المصري اليوم)، عدد الثلاثاء 2/ 6/2009م، ص (6)]. كذلك فإن من القرائن الدالة على النوايا الفارسية المخبأة، ذلك التهديد الإيراني بمنع شركات الطيران من استخدامها مجالها الجوي إذا استعملت مصطلح (الخليج العربي) بدلًا من (الخليج الفارسي)؛ فكما نقلت وكالة (رويترز Reuters) الإخبارية عن صحيفة (إيران) اليومية في 22 فبراير 2010م ما قاله وزير الطرق والمواصلات الإيراني حامد بهبهاني أنه «تم التنبيه على شركات الطيران في الدول الواقعة جنوب الخليج (الفارسي)، التي تطير إلى إيران باستخدام مصطلح (الخليج الفارسي) على لوحات العرض الإلكترونية بها»، وأضاف: «وإذا لم تفعل فستمنع من دخول المجال الجوي الإيراني لمدة شهر في البداية، وإذا تكرر ذلك فستجبر طائراتها على الهبوط في إيران وستلغى تصاريح القيام برحلات إلى إيران».
(¬2) رواه البخاري (194 - 256هـ)، كتاب الرقاق: 6118
(¬3) أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص (252).
الصفحة 18
704