كتاب حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

جاء ليصحح اعتقادات المشركين والوثنيين سواء، ودعاهم إلى الإسلام جميعًا لأن هذا هو الدين الذي لا يقبل الله غيره من الناس جميعًا، والمسلم مكلف أن يدعو أهل الكتاب إلى الإسلام، كما يدعو الملحدين والوثنيين سواء، وهو غير مأذون في أن يكره أحد من هؤلاء ولا هؤلاء على الإسلام، لأن العقائد لا تنشأ في الضمائر بالإكراه، فالإكراه في الدين فوق أنه منهي عنه، هو كذلك لا ثمرة له» اهـ (¬1).
بل وكما استقر عند المسلمين بداهة أن أهم القضايا التي يجادلون فيها أهل الكتاب هي قضية التوحيد المطلق لله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ونبذ مظاهر الشرك وعبودية ما سوى الله تعالى، أي قضية (العودة إلى الأصل)؛ فكما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رب العزة - جل جلاله -: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمَت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهُم أن يشركوا بي ما لم أنْزِل به سلطانًا» (¬2). والعمدة في هذا الجدل الشرعي الصحيح قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (¬3). ولكن - كما يقول الدكتور القاضي (¬4) - «دعاة الحوار الحديث يريدون تنحية هذه القضية الأساسية وتحاشيها، لأن الحوار فيها يفسد الحوار، وهكذا يصبح الحوار غاية لا وسيلة. وفضلًا عن ذلك هو غاية غير واضحة يخبط المتحاورون فيه في التيه، بحرية ومغامرة لا يدرون إلى أين ينتهون» اهـ.
¬_________
(¬1) فائدة: أما الحديث الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله (164 - 241هـ) عن أنس «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: أسلِم! قال: إني أجدني كارهًا. قال: وإن كنت كارهًا» [المسند (3/ 109)]، ففيه يقول الدكتور محمد يسري إبراهيم: «إنه حديث صحيح، ولكن ليس من هذا القبيل، فإنه لم يُكرِهْهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام، بل دعاه إليه، فأخبره أن نفسه ليست قابلة له بل هي كارهة، فقال له أسلِم وإن كنت كارهًا فإن الله سيرزقك حسن النية والإخلاص» اهـ. [د. محمد يسري: الجامع في شرح الأربعين النووية (1/ 386)].
(¬2) رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها: 2865
(¬3) آل عمران: 64
(¬4) د. أحمد القاضي: دعوة التقريب بين الأديان (1/ 430).

الصفحة 38