كتاب حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية
التي تتمسك بها هي نفسها وتعرضها. ولذا فهي تبشر وعليها أن تبشر بالمسيح دون انقطاع ...
وإذا كانت قد نشأت، على مر القرون، منازعات وعداوات كثيرة بين المسيحيين والمسلمين، فالمجمع المقدس يحض الجميع على أن يتناسوا الماضي وينصرفوا بالخلاص إلى التفاهم المتبادل، ويصونوا ويعززوا معًا العدالة الاجتماعية والخيور الأخلاقية والسلام والحرية لفائدة جميع الناس» (¬1).
فالمفارقة المريبة، هي أن البيان المجمعي Nosta Aetate، الذي كلَّف البابا يوحنا الثالث والعشرين Pope John XXIII (1881 - 1963 م) الكاردينال بيا Cardinal Bea (1881 - 1968 م) بإعداده عام 1960م، كان قد تحدد في الأصل لمناقشة علاقة الكنيسة الكاثوليكية باليهود، ولقد جاءت مسودة النص المجمعي عن اليهود Decretum de Judaeis تزيل عنهم تهمة (قتل الله)! وردَّها في المقابل إلى ذنوب البشر أجمع (¬2)، وترتب على ذلك الرضوخ للمساعي اليهودية المتتابعة منذ عام 1920م لتعديل الصيغة التقليدية لصلاة الجمعة الحزينة، والتي تصف اليهود - كما جاء في رسالة كورنثوس الثانية - بأنهم «عميت أبصارهم، فلا يزال ذلك القناع إلى اليوم غير مكشوف عند قراءة العهد القديم، ولا ينزعه إلا المسيح» (¬3)، حتى خففت صيغة الصلاة
¬_________
(¬1) تشير بعض الدراسات إلى دور لويس ماسينيون Louis Massignon المستشرق الفرنسي المعروف (1883 - 1962م) في إحداث التغيير في موقف الكنيسة الكاثوليكية-الرومانية (الفاتيكانية) تجاه الإسلام، فيقول ألكسي چورافسكي: «يرى بعض دارسي مؤلفات ماسينيون والمهتمين بتحليل مواقفه العملية، وأنشطته الاجتماعية والسياسية أن مراسلاته واتصالاته الواسعة مع الهيئات الكاثوليكية العليا، بما في ذلك صداقته الشخصية مع چيوفاني باتيستا مونتيتي Giovanni Battista Montini - الذي أصبح البابا پولس السادس - مهدت التربة - إلى حد معين - للمناقشات التي دارت في المجمع الفاتيكاني الثاني حول العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والمسلمين» اهـ[ألكسي چورافسكي: الإسلام والمسيحية، ص (110 - 1)، وانظر، موسوعة ويكيپيديا، مادة: Louis Massignon].
(¬2) نفت عنهم الكنسية ما قالوه هم بأفواههم! قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 157 - 158]. انظر، موسوعة ويكيپيديا، مادة: Decretum de Judaeis.
(¬3) كورنثوس الثانية 3: 14
الصفحة 46
704