كتاب حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (¬1).
فيقول أهل الأهواء والبدع أن (منهم) هنا وردت للتبعيض أي (من بعضهم)، وفي هذا دليل على عدم وجوب عدالتهم، ومن ثم يفتح الباب للطعن فيهم.

وهذا افتراء محض، وجوابه:
يقول علماء التفسير إن (منهم) هنا ليست للتبعيض، وإنما هي على معنيين:
- الأول: أي من جنسهم، بدليل قول الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} (¬2)، ولا يعني الله تعالى أن نجتنب بعض الأوثان ونترك بعضها لا نجتنبها، بل المطلوب أن نجتنب جميع الأوثان، و (من) هنا أي: من جنس هذه الأوثان.
- الثاني: (من) هنا مؤكدة، كما قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} (¬3)، فليس معناه أن بعضه شفاء ورحمة والبعض الآخر ليس كذلك، أبدًا، بل كله شفاء ورحمه، و (من) هنا مؤكدة (¬4).

أضف إلى ذلك أن الله تعالى في قوله: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} زكَّى الصحابة في ظاهرهم، وزكى باطنهم في قوله سبحانه: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}، لا كما قال - عز وجل - في المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَآءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلًا} (¬5).

...

الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:
ومفادها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى عمرة الحديبية وبعد أن عقد الصلح مع قريش رجع ولم يعتمر، فأمر الصحابة - رضي الله عنهم - أن يحلقوا وينحروا فلم يستجب الصحابة لأمره - صلى الله عليه وسلم -، ثم انطلق حتى دخل على أم سلمة غضبان .. فيقول المبتدعة أن أصحاب الرسول - رضي الله عنه - أغضبوه وأمثال هؤلاء يستحيل أن يكونوا من العدول.
¬_________
(¬1) الفتح: 29
(¬2) الحج: 30
(¬3) الإسراء: 82
(¬4) راجع كلام الإمام القرطبي في تفسيره (19/ 346).
(¬5) النساء: 142

الصفحة 657