كتاب حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية
{مقدمة المؤلف}
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬1)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (¬2)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُّطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (¬3)
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ..
«فقد بعث الله سبحانه وتعالى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى الخلق على فترة من الرسل، وقد "مقت أهل الأرض، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب" (¬4)
ماتوا - أو أكثرهم - قبيل مبعثه.
¬_________
(¬1) آل عمران: 102
(¬2) النساء: 1
(¬3) الأحزاب: 70 - 71
(¬4) الحديث رواه مسلم (204 - 261هـ)، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها: 2865، من حديث العِياض بن حِمار المُجاشِعي - رضي الله عنه -. وقال النووي رحمه الله (631 - 676هـ) في شرحه: «والمراد ببقايا أهل الكتاب الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل» [شرح النووي على صحيح مسلم (17/ 198)]. وللمهندس فاضل سليمان رسالة ماچيستير كبيرة النفع، يكشف فيها زيف ادعاء المؤرخين الذين روجوا لهذه البقايا من أهل الكتاب على أنهم (هراطقة آريوسيين)، وهم في حقيقة الأمر طائفة من النصارى الموحدين، يُنسبون لآريوس Arius كاهن كنيسة بوكلى بالإسكندرية (256 - 336م). وفي بحثه القيم ينقل عن الباحث اللاهوتي الإنجليزي موريس وايلز (1929 - 2005م) قوله العجيب: «عزل الآريوسيين للعيش في مجتمعات منفصلة ومهمشة، ويكشف (الكاتب) عن خصائص عقلية هؤلاء المرحَّلين للعيش في جيتو Ghetto ويواسون أنفسهم على سوء حظهم الاجتماعي بالنظر إلى أنفسهم على أنهم بقايا المؤمنين في عالم مادي» [انظر، فاضل سليمان: أقباط مسلمون قبل محمد - صلى الله عليه وسلم -، ص (93)، نقلًا عن: الهرطقات المتعلقة بالنماذج الأصلية (أو التوراتية)، الآريوسية عبر العصور، لموريس وايلز، ص (40). Maurice Wiles: Archetypal Heresy, Arianism Through the Centuries]، و (الكاتب) الذي يقصده وايلز هو أحد الآريوسيين الذين عاشوا في مطلع القرن الخامس الميلادي، وكتابه هو شرح لإنجيل متَّى يعرف باسم Opus Imperfectum [انظر: وايلز، ص (38)] .. وقد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله (239 - 321هـ) في عرض حديثه عن الآريوسيين: «وجاز بذلك أن تكون هذه الفرقة التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عياض بن حمار» اهـ[الطحاوي: شرح مشكل الآثار (5/ 232)].
الصفحة 9
704