كتاب الحطة في ذكر الصحاح الستة

وَمِنْهَا مُرَاعَاة مَرَاتِب الْعُلُوم فِي الْقرب والبعد من الْمَقْصد فَلِكُل مِنْهَا رُتْبَة ترتيبا ضَرُورِيًّا بِحَسب الرِّعَايَة فِي التَّحْصِيل إِذا لبَعض طَرِيق إِلَى الْبَعْض وَلكُل علم حد لَا يتعداه فَعَلَيهِ أَن يعرفهُ فَلَا يتَجَاوَز ذَلِك الْحَد ولهذه الشَّرَائِط تفاصيل ذكرت فِي محلهَا فَائِدَة أُخْرَى
يقدم فِي تَعْلِيم الْعُلُوم الأهم فالأهم فِيهِ والوسيلة مُقَدّمَة على الْمَقْصد كَمَا أَن المباحث اللفظية مُقَدّمَة على المباحث المعنوية لِأَن الْأَلْفَاظ وَسِيلَة إِلَى الْمعَانِي وَالتَّحْقِيق أَن تقدم الْعلم على الْعلم لثَلَاثَة أُمُور إِمَّا لكَونه أهم مِنْهُ كتقديم فرض الْعين على فرض الْكِفَايَة وَهُوَ على الْمَنْدُوب إِلَيْهِ وَهُوَ على الْمُبَاح وكتقديم الْكتاب وَالسّنة على الْإِجْمَاع وَالْقِيَاس وكتقديم السّنَن على الْبدع وَإِمَّا لكَونه وَسِيلَة إِلَيْهِ وَإِمَّا لكَون مَوْضُوعه جُزْء من مَوْضُوع الْعلم الآخر والجزء مقدم على الْكل فَيقدم الصّرْف على النَّحْو وَرُبمَا يقدم علم على علم لَا لشَيْء بل الْغَرَض مِنْهَا التمرين على إِدْرَاك المعقولات كَمَا أَن طَائِفَة من القدماء قدمُوا تَعْلِيم الْحساب وَكَثِيرًا مَا يقدم الأهون فالأهون وَلذَا قدم المصنفون فِي كتبهمْ النَّحْو على الصّرْف ولعلهم راعوا فِي ذَلِك أَن الْحَاجة إِلَى النَّحْو أمس ثمَّ إِنَّه يخْتَلف فروض الْكِفَايَة فِي التَّأْكِيد وَعَدَمه بِحَسب خلو الْأَعْصَار والأمصار فَرب مصر لَا يُوجد فِيهِ من يُقيم الْفَرِيضَة إِلَّا وَاحِد أَو إثنان وَيُوجد فِيهِ عشرُون فَقِيها فَيكون تعلم الْحساب فِيهِ أكد من أصُول الْفِقْه وَالْوَاجِب علمه هُوَ فرض عين وَهُوَ كل مَا أوجبه الشَّرْع على الشَّخْص فِي خَاصَّة نَفسه وَمَا أوجبه على الْمَجْمُوع ليعملوا بِهِ لَو قَامَ وَاحِد لسقط عَن البَاقِينَ يُسمى فرض كِفَايَة والعلوم الَّتِي هِيَ فروض كِفَايَة على الْمَشْهُور كل

الصفحة 22