كتاب الحطة في ذكر الصحاح الستة

علم لَا يسْتَغْنى عَنهُ فِي قوام أَمر الدُّنْيَا وقانون الشَّرْع كفهم الْكتاب وَالسّنة وحفظهما من التحريفات وَمَعْرِفَة الِاعْتِقَاد بِإِقَامَة الْبُرْهَان عَلَيْهِ مِنْهُمَا وَإِزَالَة الشُّبْهَة وَمَعْرِفَة الْأَوْقَات والفرائض وَالْأَحْكَام الفرعية وَحفظ الْأَبدَان والأخلاق والسياسة وكل مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى شَيْء من هَذِه كعلم اللُّغَة والتصريف والنحو والمعاني وَالْبَيَان وَمَعْرِفَة الْأَنْسَاب والحساب إِلَى غير ذَلِك من الْعُلُوم الَّتِي هِيَ وَسَائِل إِلَى هَذِه الْمَقَاصِد وتفاوت درجاتها فِي التَّأْكِيد بِحَسب الْحَاجة إِلَيْهَا فَائِدَة أُخْرَى
الرحلة فِي طلب الْعلم مفيدة وَسبب ذَلِك أَن الْبشر يَأْخُذُونَ معارفهم وأخلاقهم وَمَا ينتحلونه من الْمذَاهب تَارَة علما وتعليما وإلقاء وَتارَة محاكاة وتلقينا بِالْمُبَاشرَةِ إِلَّا أَن حُصُول الملكات عَن الْمُبَاشرَة والتلقين أَشد استحكاما وَأقوى رسوخا فعلى قدر كَثْرَة الشُّيُوخ يكون حُصُول الملكة ورسوخها والاصطلاحات أَيْضا فِي تَعْلِيم الْعُلُوم مخلطة على المتعلم حَتَّى لقد يظنّ كثير مِنْهُم أَنَّهَا جُزْء من الْعلم وَلَا يدْفع عَنهُ ذَلِك إِلَّا مُبَاشَرَته لاخْتِلَاف الطّرق فِيهَا من المعلمين فلقاء أهل الْعُلُوم وتعدد الْمَشَايِخ يفِيدهُ تَمْيِيز الاصطلاحات بِمَا يرَاهُ من اخْتِلَاف طرقهم فِيهَا فيجرد الْعلم عَنْهَا وَيعلم أَنَّهَا أنحاء تَعْلِيم وتنهض قواه إِلَى الرسوخ وَالْأَحْكَام فِي الملكات فالرحلة لَا بُد مِنْهَا فِي طلب الْعلم لِاكْتِسَابِ الْفَوَائِد والكمال بلقاء الْمَشَايِخ ومباشرة الرِّجَال وَمن تشوق بفطرته إِلَى الْعلم مِمَّن نَشأ فِي الْقرى وَلَا يجد فِيهَا التَّعْلِيم لَا بُد لَهُ من الرحلة فِي طلبه إِلَى الْأَمْصَار فَائِدَة أُخْرَى
الْحِفْظ غير الملكة العلمية وَمن كَانَ عنايته بِالْحِفْظِ أَكثر من عنايته إِلَى تَحْصِيل الملكة لَا يحصل إِلَى طائل من ملكة التَّصَرُّف فِي الْعلم وَلذَلِك ترى من حصل الْحِفْظ لَا يحسن شَيْئا من الْفَنّ وتجد ملكته قَاصِرَة فِي علمه إِن فاوض أَو نَاظر وَمن ظن أَنه الْمَقْصُود من الملكة العلمية فقد أَخطَأ وَإِنَّمَا الْمَقْصُود هُوَ ملكة الاستخراج والاستنباط وَسُرْعَة الِانْتِقَال

الصفحة 23