كتاب إمتاع الأسماع (اسم الجزء: 3)
[المجلد الثالث]
[بقية فصل في أمارات نبوته]
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم
ذكر مجيء الملك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برسالات ربه تعالى
خرج البخاري ومسلم من حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبرته كذا، أنها قالت: كان أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي [ (1) ] الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه- قال: والتحنث: هو التعبد- الليالي ذوات العدد، وقال مسلم: أولات العدد- قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك
ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجئه الحق في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقْرَأْ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال:
اقْرَأْ، فقلت: ما أنا بقارئ، فقال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ
__________
[ (1) ] (من الوحي) : يحتمل أن تكون «من» تبعيضية، أي من أقسام الوحي، ويحتمل أن تكون بيانية، ورجحه محمد بن جعفر القيرواني أبو عبد اللَّه التميمي القزاز، صاحب [الجامع في اللغة] .
والرؤيا الصالحة، وقع في رواية معمر ويونس عند المصنف في التفسير: «الصادقة» ، وهي التي فيها ضغث، وبدئ بذلك ليكون تمهيدا، وتوطئة لليقظة، ثم مهّد له في اليقظة أيضا رؤية الضوء، وسماع الصوت، وسلام الحجر.
قوله: «في النوم» ، لزيادة الإيضاح، أو ليخرج رؤيا العين في اليقظة لجواز إطلاقها مجازا.
قوله: «مثل فلق الصبح» ، ينصب «مثل» على الحال، أي مشبهة ضياء الصبح، أو على أنه صفة لمحذوف، أي جاءت مجيئا مثل فلق الصبح، والمراد بفلق الصبح: ضياؤه. وخص بالتشبيه لظهوره الواضح، الّذي لا شك فيه.
قوله: «حبّب» ، لم يسمّ فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك، وإن كان كل من عند اللَّه، أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر، أو يكون ذلك من وحي الإلهام، و «الخلاء» بالمد، الخلوة، والسّر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه إليه، وحراء: جبل معروف بمكة، والغار نقب في الجبل، وجمعه غيران.
قوله: «فيتحنث» ، هي بمعنى يتحنف، أي يتبع دين الحنفية، وهي دين إبراهيم،
الصفحة 3
408