كتاب إمتاع الأسماع (اسم الجزء: 3)

__________
[ () ] و «الفاء» تبدل «ثاء» في كثير من كلامهم، وقد وقع في رواية ابن هشام في (السيرة) : «يتحنف» بالفاء. أو التّحنّث إلقاء الحنث وهو الإثم، كما قيل: يتأثم، ويتحرج، ونحوهما.
قوله: «هو التعبد» ، هذا مدرج في الخبر، وهو من تفسير الزهري، كما جزم به الطيبي ولم يذكر دليله، نعم في رواية المؤلف من طريق يونس عنه في التفسير ما يدل على الإدراك.
قوله: «الليالي ذوات العدد» ، يتعلق بقوله: يتحنث، وإبهام العدد لاختلافه، كذا قيل، وهو بالنسبة إلى المدد التي يتخللها مجيئه إلى أهله، وإلا فأصل الخلوة قد عرفت مدتها وهي شهر، وذلك الشهر كان في رمضان، رواه ابن إسحاق. والليالي منصوبة على الظرف، وذوات منصوبة أيضا، وعلامة النصب فيه كسر التاء.
قوله: «لمثلها» أي الليالي، والتزود استصحاب الزاد.
قوله: «حتى جاءه الحق» ، وفي التفسير: حتى فجئه الحق- بكسر الجيم وهي الرواية التي أثبتها المقريزي- أي بغته، وإن ثبت من مرسل عبيد بن عمير أنه أوحي إليه بذلك في المنام أولا قبل اليقظة، أمكن أن يكون مجيء الملك في اليقظة عقب ما تقدم في المنام، وسمي حقا لأنه وحي من اللَّه تعالى، وقد وقع في رواية أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة قالت: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أول شأنه يرى في المنام، وكان أول ما رأى جبريل بأجياد، صرخ جبريل: «يا محمد» ، فنظر يمينا وشمالا فلم ير شيئا، فرفع بصره فإذا هو على أفق السماء فقال: «يا محمد، جبريل جبريل» ، فهرب فدخل في الناس فلم ير شيئا، ثم خرج عنهم، فناداه فهرب، ثم استعلن له جبريل من قبل حراء، فذكر قصة إقرائه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، ورأى حينئذ جبريل له جناحان من ياقوت يختطفان البصر، وهذا من رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود، وابن لهيعة ضعيف.
وقد ثبت في صحيح مسلم من وجه آخر عن عائشة مرفوعا: «لم أره- يعني جبريل- على صورته التي خلق عليها إلا مرتين» ،
وبيّن أحمد في حديث ابن مسعود، أن الأولى كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التي خلق عليها، والثانية عند المعراج.
وللترمذي من طريق مسروق عن عائشة: «لم ير محمد جبريل في صورته إلا مرتين: مرة عند سدرة المنتهى، ومرة في أجياد» ، وهذا يقوى رواية ابن لهيعة، وتكون هذه المرة غير المرتين المذكورتين، وإنما لم يضمها إليها لاحتمال أن لا يكون رآه فيها على تمام صورته، والعلم عند اللَّه تعالى.
ووقع في السيرة التي جمعها سليمان التيمي، فرواها محمد بن عبد الأعلى عن ولده معتمر بن سليمان عن أبيه أن جبريل أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في حراء وأقرأه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثم انصرف، فبقي متردّدا، فأتاه من أمامه في صورته، فرأى أمرا عظيما.
قوله: «فجاءه» ، هذه الفاء تسمى التفسيرية وليست التعقيبية، لأن مجيء الملك ليس بعد مجيء الوحي حتى تعقب به، بل هو نفسه، ولا يلزم من هذا التقرير أن يكون من باب تفسير الشيء بنفسه، بل التفسير عين المفسّر به من جهة الإجمال، وغيره من جهة التفصيل.
قوله: «ما أنا بقارئ» ثلاثا، «ما» نافية، إذ لو كانت استفهامية لم يصلح دخول الباء، وإن حكي عن الأخفش جوازه فهو شاذ، والباء زائدة لتأكيد النفي، أي ما أحسن القراءة، فلما قال ذلك ثلاثا قيل له: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ أي لا تقرءوه بقوتك ولا بمعرفتك، لكن بحول ربك

الصفحة 4