كتاب إمتاع الأسماع (اسم الجزء: 3)

الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ [ (1) ] ، فرجع بها [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة رضي اللَّه عنها فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع- وقال مسلم: حتى ذهب عنه ما يجد من الروع- ثم قال لخديجة: أي خديجة! ما لي قد خشيت على نفسي؟
وأخبرها الخبر فقالت له خديجة: ...
__________
[ () ] وإعانته، فهو يعلمك، كما خلقك، وكما نزع عنك علق الدم وغمز الشيطان في الصغر، وعلّم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية. ذكره السهيليّ.
وقال غيره: إن هذا التركيب- وهو قوله: ما أنا بقارئ- يفيد الاختصاص.
وردّه الطيبي بأنه إنما يفيد التقوية والتأكيد، والتقدير: لست بقارئ البتّة. فإن قيل: لم كرر ذلك ثلاثا؟ أجاب أبو شامة بأن يحمل قوله أولا:
«ما أنا بقارئ»
على الامتناع، وثانيا: على الإخبار بالنفي المحض، وثالثا: على الاستفهام. ويؤيده أن في رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة أنه قال: كيف أقرأ؟ وفي رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق: ماذا أقرأ؟ وفي مرسل الزهري في (دلائل البيهقي) : كيف أقرأ؟ وكل ذلك يؤيد أنها استفهامية. واللَّه أعلم.
قوله: «فغطني» ،
بغين معجمة وطاء مهملة. وفي رواية الطبري: «فغتني» بتاء مثناة من فوق، كأنه أراد ضمني وعصرني، والغط: حبس النفس، ومنه: غطه في الماء، أو أراد غمني، ومنه الخنق، ولأبي داود الطيالسي في مسندة بسند حسن: فأخذ بحلقي.
قوله: «حتى بلغ مني الجهد» ،
روى بالفتح والنصب، أي بلغ مني غاية وسعي. وروى بالضم والرفع، أي بلغ مني الجهد مبلغه،
وقوله: «أرسلني»
أي أطلقني، ولم يذكر الجهد هنا في المرة الثالثة، وهو ثابت عند البخاري في (التفسير) .
[ (1) ] الآيات من أول سورة العلق.
[ (2) ] قوله: «فرجع بها» ، أي بالآيات أو بالقصة.
قوله: «فزملوه» ، أي لفوه، والرّوع بالفتح: الفزع.
قوله: «لقد خشيت على نفسي» ، دلّ هذه مع قوله: «يرجف فؤاده» على انفعال حصل له من مجيء الملك، ومن ثم قال: «زملوني» . والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد بها على اثني عشر قولا:
[1] الجنون وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة، جاء مصرحا به في عدة طرق، وأبطله أبو بكر ابن العربيّ، وحق له أن يبطل، لكن حمله الإسماعيلي على أن ذلك حصل له قبل حصوله العلم الضّروريّ له، أن الّذي جاءه ملك، وأنه من عند اللَّه تعالى.
[2] الهاجس، وهو باطل أيضا، لأنه لا يستقر، وحصلت بينهما المراجعة.
[3] الموت من شدة الرعب.
[4] المرض، وقد جزم به ابن أبي جمرة.
[5] دوام المرض.
[6] العجز عن حمل أعباء النبوة.
[7] العجز عن النظر إلى الملك من الرعب.

الصفحة 5