كتاب إمتاع الأسماع (اسم الجزء: 3)

__________
[ () ] وصفته بأصول مكارم الأخلاق، لأن الإحسان إما إلى الأقارب أو إلى الأجانب، وإما بالبدن أو بالمال، وإما على من يستقل بأمره أو بمن لا يستقل، وذلك كله مجموع فيما وصفه به و «الكلّ» بفتح الكاف هو من لا يستقل بأمره، كما قال تعالى: وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ [الآية 76/ النحل] .
و «تكسب المعدوم» : في رواية الكشمهيني وتكسب بضم أوله، وعليها قال الخطابي: الصواب:
المعدم بلا واو، أي الفقير، لأن المعدوم لا يكسب. قال الحافظ ابن حجر: ولا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لكونه كالمعدوم الميت الّذي لا تصرّف له، والكسب هو الاستفادة، فكأنها قالت:
إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجودا رغبت أنت أن تستفيد رجلا عاجزا فتعاونه. وقال قاسم ابن ثابت في (الدلائل) : قوله يكسب معناه ما يعدمه غيره ويعجز عنه يصيبه ويكسبه. قال أعرابي يمدح إنسانا: كان أكسبهم لمعدوم، وأعطاهم لمحروم.
ولغير الكشمهيني «وتكسب» بفتح أوله، قال عياض: وهذه الرواية أصح- قال الحافظ ابن حجر: قد وجّهنا الأولى، وهذه الراجحة، ومعناها تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك، فحذف أحد المفعولين، ويقال: كسبت مالا وأكسبته بمعنى. وقيل: معناه تكسب المال المعدوم وتصيب ما لا يصيب غيرك. وكانت العرب تتمادح بكسب المال، لا سيما قريش، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل البعثة محظوظا في التجارة، وإنما يصح هذا المعنى إذا ضم إليه ما يليق به من أنه كان مع إفادته للمال يجود به في الوجوه التي ذكرت في المكرمات.
وقولها: «وتعين على نوائب الحق» ، كلمة جامعة لأفراد ما تقدم ولما لم يتقدم. وفي رواية (البخاري في التفسير) ، من طريق يونس عن الزهري من الزيادة: «وتصدق الحديث» ، وهي من أشرف الخصال. وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة: «وتؤدي الأمانة» .
وفي هذه القصة من الفوائد:
* استحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه وتهوينه لديه.
* وأن من نزل به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه.
قوله: «فانطلقت به» ، أي مضت معه، فالباء للمصاحبة، وورقة بفتح الراء، وقوله: «ابن عم خديجة» ، هو بنصب «ابن» ، ويكتب بالألف، وهو بدل من ورقة، أو صفة، أو بيان، ولا يجوز جره، فإنه يصير صفة لعبد العزى، وليس كذلك، ولا يجوز كتبه بغير ألف لأنه لم يقع بين علمين.
قوله: «تنصّر» ، أي صار نصرانيا، وكان قد خرج هو وزيد بن نفيل لما كرها عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين، فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصّر، وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل، ولهذا أخبر بشأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والبشارة به، إلى غير ذلك مما أفسده أهل التبديل.
قوله: «فكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية» ، وفي رواية يونس ومعمر:
ويكتب من الإنجيل بالعربية، ولمسلم: فكان يكتب الكتاب العربيّ، والجميع صحيح، لأن ورقة تعلم اللسان العبراني والكتابة العبرانية، فكان يكتب الكتاب العبراني، كما كان يكتب الكتاب العربيّ، لتمكنه من الكتابين واللسانين. ووقع لبعض الشراح هنا ضبط فلا يعرّج عليه.

الصفحة 8