كتاب إمتاع الأسماع (اسم الجزء: 3)

__________
[ () ] وإنما وصفته بكتابة الإنجيل دون حفظه، لأن حفظ التوراة والإنجيل لم يكن متيسرا كتيسر حفظ القرآن الّذي خصّت به هذه الأمة، فلهذا جاء في صفتها: «أناجيلها صدورها» . قولها: «يا ابن عم» ، هذا النداء على حقيقته، ووقع في مسلم «يا عم» وهو وهم، لأنه وإن كان صحيحا لجواز إرادة التوقير، لكن القصة لم تتعد، ومخرجها متحد، فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين، فتعين الحمل على الحقيقة.
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : وإنما جوزنا ذلك فيما مضى في العبراني والعربيّ، لأنه من كلام الراويّ في وصف ورقة، واختلف المخارج فأمكن التعداد، وهذا الحكم يطرد في جميع ما أشبهه، وقالت في حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اسمع من ابن أخيك، لأن والده عبد اللَّه بن عبد المطلب وورقة في عدد النسب إلى قصي بن كلاب الّذي يجتمعان فيه سواء، فكان من هذه الحيثية في درجة إخوته.
أو قالته على سبيل التوقير لسنه.
وفيه إرشاد إلى أن صاحب الحاجة يقدم بين يديه من يعرّف بقدره ممن يكون أقرب منه إلى المسئول، وذلك مستفاد من قول خديجة لورقة: «اسمع من ابن أخيك» أرادت بذلك أن يتأهب لسماع كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذلك أبلغ في التعظيم.
قوله: «ماذا ترى» ؟ فيه حذف يدل عليه سياق الكلام، وقد صرّح به في (دلائل النبوة) لأبي نعيم بسند حسن إلى عبد اللَّه بن شداد في هذه القصة قال: فأتت به ورقة ابن عمها فأخبرته بالذي رأى.
قوله: «هذا الناموس الّذي نزل اللَّه على موسى» . وللكشميهني: «أنزل اللَّه» ، وفي كتاب التفسير «أنزل» على البناء للمفعول، وأشار بقوله: «هذا» إلى الملك الّذي ذكره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في خبره، ونزله منزلة القريب لقرب ذكره. والناموس: صاحب السر كما جزم به المؤلف في أحاديث الأنبياء.
وزعم ابن ظفر أن الناموس صاحب سرّ الخير، والجاسوس صاحب سر الشّر، والأول الصحيح الّذي عليه الجمهور، وقد سوّى بينهما رؤبة بن العجاج أحد فصحاء العرب. والمراد بالناموس هنا جبريل عليه السلام. وقوله: «على موسى» ولم يقل على عيسى مع كونه نصرانيا، لأن كتاب موسى عليه السلام مشتمل على أكثر الأحكام، بخلاف عيسى. وكذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. أو لأن موسى عليه السّلام بعث بالنقمة على فرعون ومن معه، بخلاف عيسى. كذلك وقعت النقمة على يد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بفرعون هذه الأمة، وهو أبو جهل بن هشام ومن معه ببدر. أو قاله تحقيقا للرسالة، لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتاب، بخلاف عيسى فإن كثيرا من اليهود ينكرون نبوته.
وأما ما تحمل له السهيليّ، من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى، ودعواهم أنه أحد الأقانيم [الثلاثة] فهو محال لا يعرّج عليه في حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل في التبديل، ولم يأخذ عمن بدّل. على أنه قد ورد عند الزبير بن بكار من طريق عبد اللَّه بن معاذ عن الزهري في هذه القصة أن ورقة قال: ناموس عيسى، والأصح ما تقدم، وعبد اللَّه بن معاذ ضعيف.
نعم في (دلائل النبوة لأبي نعيم) بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة، أن خديجة أولا أتت ابن عمها ورقة فأخبرته الخبر فقال: لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه ناموس عيسى الّذي لا يعلمه بنو إسرائيل أبناءهم، فعلى هذا فكان ورقة يقول تارة ناموس عيسى، وتارة ناموس

الصفحة 9