كتاب إمتاع الأسماع (اسم الجزء: 5)

ينتهوا إلى حملة العرش، فيقولون لهم: مم سبحتم؟ فيقولون: قضى اللَّه في خلقه كذا وكذا- للأمر الّذي كان- فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء، حتى ينتهي إلى السماء الدنيا فيتحدثوا به فيسترقه الشياطين بالسمع على توهم واختلاف، ثم يأتوا به الكهان من أهل الأرض فيحدثوهم فيخطئوا ويصيبوا، فيتحدث به الكهان فيصيبوا بعضا ويخطئوا بعضا، ثم إن اللَّه حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها، فانقطعت الكهانة اليوم ولا كهانة [ (1) ] .
قال ابن إسحاق: وحدثني عمرو بن أبي جعفر، عن محمد بن عبد الرحمن ابن لبينة، عن علي بن الحسين، بمثل حديث شهاب عنه، وقد روى هذا الحديث [عبد] الرزاق عن معمر عن الزهري وقال في آخره: قال: فقلت للزهري:
أو كان يرمى به في الجاهلية؟ فقال: نعم، قلت: يقول اللَّه تعالى: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً، قال: غلّظت واشتد أمرها حين بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
قال البيهقي: وهذا يوافق ظاهر الكتاب لأنه قال خبرا عن الجن: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً، فأخبرت الجن أنه زيد في حراس السماء وشهبها، حتى امتلأت منها، وفي ذلك دليل على أنه كان قبل ذلك فيها حراس وشهب معدة معهم، والشهاب في (لسان العرب) [ (2) ] النار المتوقدة.
ثم ذكر الحديث البخاري ومسلم والترمذي، من طريق أبي عوانة، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على الجن ولا رآهم [ (3) ] ، انطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 235- 236، باب بيان الوجه الّذي كان يخرج قول الكهان عليه حقا، ثم بيان أن ذلك انقطع بظهور نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أو انقطع أكثره.
[ (2) ] (لسان العرب) : 1/ 510.
[ (3) ] قال النووي: لكن ابن مسعود أثبت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قرأ على الجن: فكأن ذلك كان مقدما على نفي ابن عباس، وقد أشار إلى ذلك مسلم، فأخرج في (الصحيح) في كتاب الصلاة، حديث رقم (450) عقب حديث ابن عباس
هذا حديث ابن مسعود عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: أتاني داعي الجن فانطلقت معه فقرأت عليه القرآن.
قال الحافظ: ويمكن الجمع بالتعدد. قال العلماء هما قضيتان، وحديث ابن عباس في أول الأمر، وأول النبوة، ثم أتوا وسمعوا قُلْ أُوحِيَ.

الصفحة 9