كتاب إمتاع الأسماع (اسم الجزء: 6)

وروى البلاذري عن عباس بن هشام عن أبيه عن جده، عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه عنه أنه قال: كانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قلنسوة أسماط، يعنى جلودا، وكانت فيها نقبة.
وقال هشام بن عمار: حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قالت يوم خيبر على بغلته الشهباء، وعليه ممطر سيجان، وعليه عمامة، وعلى العمامة قلنسوة من الممطر السيجان.
قال هشام: والساج: الطيلسان الأسود [ (1) ] . وروى أنه عليه السّلام ترك
__________
[ (1) ] الطيلسان: شبه الأردية، يوضع على الرأس والكتفين والظهر، وهو بفتح اللام، واحد الطيالسة، والهاء في الجمع للعجمة، لأنه فارسي معرب، وهو الساج أيضا، وقال ابن خالويه في (شرح الفصيح) : يقال للطيلسان الأخضر: الساج، وفي (المجمل) لابن فارس: الطاق الطيلسان. فقال ابن القيم: لم ينقل عنه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه لبسه، ولا أحد من أصحابه، بل ثبت في (صحيح مسلم) ، من حديث النواس بن سمعان، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه ذكر الدجال فقال: يخرج معه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة. ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة فقال: ما أشبههم بيهود خيبر.
قال: ومن هاهنا كره جماعة من السلف والخلف، لما
روى أبو داود، والحاكم في (المستدرك) ، أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» ،
وفي الترمذي: «ليس منا من تشبه بغيرنا» .
وأما ما جاء في حديث الهجرة أنه صلّى اللَّه عليه وسلم جاء إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه متقنّعا بالهاجرة، فإنما فعله صلّى اللَّه عليه وسلم تلك السّاعة ليختفى بذلك للحاجة، ولم يكن عادته صلّى اللَّه عليه وسلم التقنع.
وقد ذكر أنس عنه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه كان يكثر القناع. وهذا إنما كان يفعله للحاجة من الحرّ ونحوه. وقال شيخ الإسلام الولي ابن العراقي في (شرح تقريب الأسانيد) : التقنّع معروف، وهو تغطية الرأس بطرف العمامة أو بردائه أو نحو ذلك. وقال ابن الحاج في (المدخل) : وأما قناع الرجل فهو أن يغطى رأسه بردائه، ويرد طرفه على أحد كتفيه.
وأما قول ابن القيم: إنه صلّى اللَّه عليه وسلم إنما فعل ذلك للحاجة، فيرد عليه حديث سهل بن سعد، أنه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يكثر القناع، رواه البيهقي في (الشّعب) ، والترمذي. وللبيهقي في (الشعب) أيضا، وابن سعد في (الطبقات) ، من حديث أنس بلفظ: يكثر التقنع، فهذا وما أشبهه يرد قول ابن القيم: أنه لم ينقل عنه أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لبسه.

الصفحة 374