كتاب إمتاع الأسماع (اسم الجزء: 9)

__________
[ () ] فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد توجه له، فمن صدنا عنه قاتلناه، قال: امضوا على اسم اللَّه،
وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وبلغ المشركين خروجه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأجمعوا رأيهم على صده عن مكة وعسكروا ببلدح [موضع خارج مكة] .
وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان بالثنية فقال: من يخرجنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟ فقال رجل من أسلم: أنا يا رسول اللَّه، فسلك بهم طريقا وعرا، فخرجوا منها بعد أن شق عليهم، وأفضوا إلى أرض سهلة، فقال لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم: استغفروا اللَّه ففعلوا. فقال: والّذي نفسي بيده إنها للحطة التي عرضت على بنى إسرائيل فامتنعوا [إشارة إلى قوله تعالى وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ* فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ البقرة: [58- 59] .
قال ابن إسحاق عن الزهري في حديثه، فقال: اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض، في طريق تخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبيّة. وثنية المرار- بكسر الميم وتخفيف الراء هي طريق في الجبل تشرف على الحديبيّة- وزعم الداوديّ أنها الثنية التي أسفل مكة، وهو وهم.
وسمى ابن سعد الّذي سلك بهم: حمزة بن عمرو الأسلمي. وفي رواية أبى الأسود عن عروة: فقال من رجل يأخذ بنا عن يمين المحجة نحو سيف البحر، لعلنا نطوى مسلحة القوم، وذلك من الليل، فنزل رجل من دابته، فذكر القصة.
فلما فرغوا من القضية أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالهدى فساقه المسلمون- يعنى إلى جهة الحرم- حتى قام إليه المشركون من قريش فحبسوه، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنحر.
فما قام رجل كأنهم توقفوا لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للندب، أو لرجاء نزول الوحي بإبطاء الصلح المذكور، أو تخصيصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لإتمام نسكهم، وسوغ ذلك لهم لأنه كان في زمان وقوع النسخ.
ويحتمل أن يكونوا قد ألهتهم صورة الحال، فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند أنفسهم، من ظهور قوتهم، واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم، وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة، أو أخروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور، ويحتمل مجموع هذه-

الصفحة 5