كتاب الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي

وَسَلَكَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ هَذِهِ الطَّرِيقَ , وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ بَعْدَهُ , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا إِذَا فُسِّرَ سَبَبُهُ وَذُكِرَ مُوجِبُهُ
أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مِهْرَانَ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ الْبَزَّازُ الْمَعْرُوفُ بِالسَّابِحِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمِنْقَرِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثنا شُعْبَةُ , قَالَ: §«احْذَرُوا غَيْرَةَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ , فَلَهُمْ أَشَدُّ غَيْرَةً مِنَ التُّيُوسِ» وَمَذَاهِبُ النُّقَّادِ لِلرِّجَالِ غَامِضَةٌ دَقِيقَةٌ , وَرُبَّمَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ فِي الرَّاوِي أَدْنَى مَغْمَزٍ فَتَوَقَّفَ عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِخَبَرِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الَّذِي سَمِعَهُ مُوجِبًا لِرَدِّ الْحَدِيثِ وَلَا مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ , وَيَرَى السَّامِعُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ هُوَ الْأَوْلَى رَجَاءَ إِنْ كَانَ الرَّاوِي حَيًّا أَنْ يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى التَّحَفُّظِ وَضَبْطِ نَفْسِهِ عَنِ الْغَمِيزَةِ , وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا أَنْ يُنْزِلَهُ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ مَنْزِلَتَهُ , فَلَا يُلْحِقُهُ بِطَبَقَةِ السَّالِمِينَ مِنْ ذَلِكَ الْمَغْمَزِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ مِنَ الِاحْتِيَاطِ لِلدِّينِ إِشَاعَةَ مَا سَمِعَ مِنَ الْأَمْرِ الْمَكْرُوهِ الَّذِي لَا يُوجِبُ إِسْقَاطَ الْعَدَالَةِ بِانْفِرَادِهِ , حَتَّى يُنْظَرَ هَلْ لَهُ مِنْ أَخَوَاتٍ وَنَظَائِرَ , فَإِنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ وَطَبَائِعَهُمْ جَارِيَةٌ عَلَى إِظْهَارِ الْجَمِيلِ وَإِخْفَاءِ مَا خَالَفَهُ , فَإِذَا ظَهَرَ أَمْرٌ يُكْرَهُ مُخَالِفٌ لِلْجَمِيلِ , لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ شِبْهٌ لَهُ ". وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْعَدَالَةِ: " مَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ , وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ , وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ , وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتِي حَسَنَةٌ "
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ , قَالَ: ثنا أَبُو بِشْرٍ عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى الصَّيْدَلَانِيُّ , قَالَ: ثنا أَبُو يُوسُفَ الْقَلُوسِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي الْأَسْوَدِ , يَقُولُ: " كُنْتُ أَسْمَعُ الْأَصْنَافَ مِنْ خَالِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ , وَكَانَ فِي أَصْلِ كِتَابِهِ قَوْمٌ قَدْ تَرَكَ حَدِيثَهُمْ , مِثْلُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ وَعَبَّادِ بْنِ صُهَيْبٍ , وَجَمَاعَةٍ نَحْوِ هَؤُلَاءِ , ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَشْهُرٍ , وَأَخْرَجَ إِلَيَّ كِتَابَ الدِّيَاتِ , فَحَدَّثَنِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ , فَقُلْتُ: يَا خَالِي , أَلَيْسَ كُنْتَ قَدْ ضَرَبْتَ عَلَى -[110]- حَدِيثِهِ وَتَرَكْتَهُ؟ قَالَ: " بَلَى , §تَفَكَّرْتُ فِيهِ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَامَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ فَتَعَلَّقَ بِي فَقَالَ: يَا رَبِّ سَلْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ فِيمَ أَسْقَطَ عَدَالَتِي؟ فَرَأَيْتُ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ , وَمَا كَانَ لِي حُجَّةٌ عِنْدَ رَبِّي , فَحَدَّثَ عَنْهُ بِأَحَادِيثَ "

الصفحة 109