كتاب الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ، ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ: " §فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا الَّذِي لَا يُقْبَلُ بِهِ حَدِيثُ الرَّجُلِ أَبَدًا؟ قُلْتُ: هُوَ أَنْ يُحَدِّثَ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَلَمْ يُدْرِكْهُ: أَوْ عَنْ رَجُلٍ أَدْرَكَهُ ثُمَّ وُجِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ: أَوْ بِأَمْرٍ يَتَبَيَّنُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَذِبٌ , فَلَا يَجُوزُ حَدِيثُهُ أَبَدًا لِمَا أُدْرِكَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَذِبِ فِيمَا حَدَّثَ بِهِ " قَالَ الْخَطِيبُ: هَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِيهِ إِذَا تَعَمَّدَ الْكَذِبَ وَأَقَرَّ بِهِ
كَمَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ، أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، ثنا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ: ثنا عَلِيُّ يَعْنِي ابْنَ الْمَدِينِيِّ , قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى , وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ يُحَدِّثُ عَنْ سُفْيَانَ , قَالَ: قَالَ لِي الْكَلْبِيُّ قَالَ لِي أَبُو صَالِحٍ: «§كُلُّ مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ كَذِبٌ» فَأَمَّا إِذَا قَالَ: كُنْتُ أَخْطَأْتُ فِيمَا رَوَيْتُهُ , وَلَمْ أَتَعَمَّدِ الْكَذِبَ , فَإِنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ وَتَجُوزُ رِوَايَتُهُ بَعْدَ تَوْبَتِهِ , سَمِعْتُ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ طَاهِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيَّ يَقُولُ: إِذَا رَوَى الْمُحَدِّثُ خَبَرًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ , وَقَالَ: كُنْتُ أَخْطَأْتُ فِيهِ , وَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ , لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَدْلِ الثِّقَةِ الصِّدْقُ فِي خَبَرِهِ , فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ رُجُوعُهُ عَنْهُ , كَمَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ , وَإِنْ قَالَ: كُنْتُ تَعَمَّدْتُ الْكَذِبَ فِيهِ , فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِذَلِكِ الْخَبَرِ وَلَا بِغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَتِهِ
قَرَأْتُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيِّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْمَرْزُبَانِيِّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ سَامٍ أَبَا الْفَضْلِ , وَكَانَ , مِنْ عُقَلَاءِ الرِّجَالِ , يَذْكُرُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ حِيَّانَ , قَالَ: قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ حَدَّثَ بِأَحَادِيثَ مُنْكَرَةٍ , فَرَدَّهَا عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ , إِنْ هُوَ رَجَعَ عَنْهَا وَقَالَ: ظَنَنْتُهَا , فَأَمَا إِذْ أَنْكَرْتُمُوهَا وَرَدَدْتُمُوهَا عَلَيَّ فَقَدْ رَجَعْتُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: §«لَا يَكُونُ صَدُوقًا أَبَدًا , إِنَّمَا ذَلِكَ الرَّجُلُ يَشْتَبِهُ لَهُ الْحَدِيثُ الشَّاذُّ وَالشَّيْءُ فَيَرْجِعُ عَنْهُ , فَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمُنْكَرَةُ الَّتِي لَا تَشْتَبِهُ لِأَحَدٍ فَلَا» فَقُلْتُ: لِيَحْيَى: مَا يُبَرِّئُهُ؟ قَالَ: يُخْرِجُ كِتَابًا عَتِيقًا فِيهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ , فَإِذَا أَخْرَجَهَا فِي كِتَبٍ عَتقٍ فَهُوَ صَدُوقٌ , فَيَكُونُ شُبِّهَ لَهُ فِيهَا وَأَخْطَأَ , كَمَا يُخْطِئُ النَّاسُ , ويَرْجِعُ عَنْهَا ". قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ: قَدْ ذَهَبَ الْأَصْلُ وَهِيَ فِي النُّسَخِ؟ قَالَ: لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ , قُلْتُ لَهُ: فَإِنْ قَالَ: هِيَ عِنْدِي فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ وَلَيْسَ أَجِدُهَا , فَقَالَ: هُوَ كَذَّابٌ أَبَدًا حَتَّى يَجِيءَ بِكِتَابِهِ الْعَتِيقِ ". ثُمَّ قَالَ: هَذَا دِينٌ لَا يَحِلُّ فِيهِ غَيْرُ هَذَا "
الصفحة 118