كتاب الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي

§بَابُ ذِكْرِ الْحُكْمِ فِيمَنْ رَوَى عَنْ رَجُلٍ حَدِيثًا فَسُئِلَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ فَأَنْكَرَهُ
مِثَالُ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى يَعْنِي الذُّهْلِيَّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , قَالَ: قُلْتُ لِأَيُّوبَ: هَلْ سَمِعْتَ عَنْ أَحَدٍ مِثْلَ قَوْلِ الْحَسَنِ فِي: " §أَمْرُكَ بِيَدِكَ؟ قَالَ: لَا , ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِلَّا شَيْئًا كَانَ حَدَّثَنَاهُ قَتَادَةُ عَنْ كَثِيرٍ هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ " بِمِثْلِهِ , فَقَدِمَ عَلَيْنَا كَثِيرٌ فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ , فَقَالَ: مَا حَدَّثْتُ بِهَذَا قَطُّ , فَأَتَيْتُ قَتَادَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ: نَسِيَ
وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ الْأَنْبَارِيُّ، أنا الْحَاكِمُ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَمَذَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ , قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا أَبُو حَمْزَةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: اسْتَدَانَتْ مَيْمُونَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ ثَلَاثَمِائَةَ دِرْهَمٍ لَيْسَ عِنْدَهَا وَفَاؤُهُ فَنَهَيْتُهَا عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَتْ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ يَقُولُ: §«مَنِ ادَّانَ دَيْنًا يُرِيدُ أَدَاءَهُ , أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ» قَالَ ابْنُ قُهْزَاذَ: ثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ حُصَيْنٍ , قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَيْتُ حُصَيْنًا أَسْمَعُ هَذَا مِنْهُ , فَقَالَ: أَنَا لَمْ أُحَدِّثِ الْأَعْمَشَ بِهَذَا , قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى الْأَعْمَشِ فَأَخْبَرْتُهُ , فَقَالَ: كَذَبَ وَاللَّهِ لَقَدْ حَدَّثَنِي "
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ , أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ , قَالَ: إِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا: قَوْلُكُمْ فِيمَنْ §أَنْكَرَ شَيْخُهُ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَهُ بِمَا رَوَاهُ عَنْهُ؟ قِيلَ: إِنْ كَانَ إِنْكَارُهُ لِذَلِكَ إِنْكَارَ شَاكٍّ مُتَوَقِّفٍ , وَهُوَ لَا يَدْرِي هَلْ حَدَّثَهُ بِهِ أَمْ لَا , فَهُوَ غَيْرُ جَارِحٍ لِمَنْ رَوَى عَنْهُ وَلَا مُكَذِّبٍ لَهُ , وَيَجِبُ قَبُولُ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْعَمَلُ بِهِ , لِأَنَّهُ قَدْ يُحَدِّثُ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ وَيَنْسَى أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ , وَهَذَا غَيْرُ قَاطِعٍ عَلَى تَكْذِيبِ مَنْ رَوَى عَنْهُ , وَإِنْ كَانَ جُحُودُهُ لِلرِّوَايَةِ عَنْهُ جُحُودَ مُصَمِّمٍ عَلَى تَكْذِيبِ الرَّاوِي عَنْهُ , وَقَاطِعٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ , وَيَقُولُ: كَذَبَ عَلَيَّ , فَذَلِكَ جَرْحٌ مِنْهُ لَهُ , فَيَجِبُ أَلَّا يُعْمَلَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ وَحْدَهُ مِنْ حَدِيثِ الرَّاوِي , وَلَا يَكُونُ هَذَا الْإِنْكَارُ جَرْحًا يُبْطِلُ جَمِيعَ مَا يَرْوِيهِ الرَّاوِي , لِأَنَّهُ جَرْحٌ غَيْرُ ثَابِتٍ بِالْوَاحِدِ , وَلِأَنَّ الرَّاوِيَ الْعَدْلَ أَيْضًا يَجْرَحُ شَيْخَهُ , وَيَقُولُ: قَدْ كَذَبَ فِي تَكْذِيبِهِ لِي , وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ حَدَّثَنِي , وَلَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي حَدَّثْتُهُ أَوْ لَا , لَوَقَفْتُ فِي حَالِهِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي مَا حَدَّثْتُهُ , فَقَدْ كَذَبَ وَلَيْسَ جَرْحُ شَيْخِهِ لَهُ أَوْلَى مِنْ قَبُولِ جَرْحِهِ لِشَيْخِهِ , فَيَجِبُ إِيقَافُ الْعَمَلِ بِهَذَا الْخَبَرِ , وَيُرْجَعُ فِي الْحُكْمِ إِلَى غَيْرِهِ , وَيُجْعَلُ بِمَثَابَةِ مَا لَمْ يَرِدْ , اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَرْوِيَهُ الشَّيْخُ مَعَ قَوْلِهِ: إِنِّي لَمْ أُحَدِّثْهُ لِهَذَا الرَّاوِي , فَيُعْمَلُ بِهِ بِرِوَايَتِهِ دُونَ رِوَايَةِ رَاوِيهِ عَنْهُ " قَالَ الْخَطِيبُ: وَلِأَجْلِ أَنَّ النِّسْيَانَ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْإِنْسَانِ , فَيُتَبَادَرُ إِلَى جُحُودِ مَا رُوِيَ عَنْهُ , وَتَكْذِيبِ الرَّاوِي لَهُ؛

الصفحة 138