كتاب الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ رِضْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الدِّينَوَرِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْفَضْلِ الْعَبَّاسِيَّ , يَقُولُ: §" كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ , وَهُوَ إِذَنْ يَقْرَأُ عَلَيْنَا كِتَابَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ , فَدَخَلَ عَلَيْهِ يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّازِيُّ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ , مَا هَذَا الَّذِي تَقْرَؤُهُ عَلَى النَّاسِ؟ فَقَالَ: كِتَابٌ صَنَّفْتُهُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. فَقَالَ: وَمَا الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ؟ فَقَالَ: أُظْهِرُ أَحْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ثِقَةً أَوْ غَيْرَ ثِقَةٍ , فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ: اسْتَحْيَيْتُ لَكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ , كَمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ قَدْ حَطُّوا رَوَاحِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ مُنْذُ مِائَةِ سَنَةٍ وَمِائَتَيْ سَنَةٍ , وَأَنْتَ تَذْكُرُهُمْ وَتَغْتَابُهُمْ عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ , فَبَكَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقَالَ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ , لَوْ سَمِعْتُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ قَبْلَ تَصْنِيفِي هَذَا الْكِتَابَ لَمَا صَنَّفْتُهُ " قَالَ الْخَطِيبُ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ , لِأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ إِلَّا مِنَ الْعَاقِلِ الصَّدُوقِ الْمَأْمُونِ عَلَى مَا يُخْبِرُ بِهِ , وَفَى ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْجَرْحِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ صَدُوقًا فِي رِوَايَتِهِ , مَعَ أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ قَدْ وَرَدَتْ مُصَرِّحَةً بِتَصْدِيقِ مَا ذَكَرْنَا وَبِضِدِّ قَوْلِ مَنْ خَالَفَنَا
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ الْبَزَّازُ وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ السُّكَّرِيُّ , قَالَا: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ , ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ , سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ , يَقُولُ: حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَجُلًا , اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ فَقَالَ: §«ائْذَنُوا لَهُ , فَبِئْسَ -[39]- رَجُلُ الْعَشِيرِ , أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ» فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ , قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ , إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» فَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ لِلرَّجُلِ «بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِخْبَارَ الْمُخْبِرِ بِمَا يَكُونُ فِي الرَّجُلِ مِنَ الْعَيْبِ عَلَى مَا يُوجِبُهُ الْعِلْمُ وَالدِّينُ مِنَ النَّصِيحَةِ لِلسَّائِلِ لَيْسَ بِغِيبَةٍ , إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ غِيبَةً لَمَا أَطْلَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ , وَإِنَّمَا أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا ذَكَرَ فِيهِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ , أَنَّ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ الْحَالَةَ الْمَذْمُومَةَ مِنْهُ وَهِيَ الْفُحْشُ فَيَجْتَنِبُوهَا , لَا أَنَّهُ أَرَادَ الطَّعْنَ عَلَيْهِ وَالثَّلْبَ لَهُ , وَكَذَلِكَ أَئِمَّتُنَا فِي الْعِلْمِ بِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ , إِنَّمَا أَطْلَقُوا الْجَرْحَ فِيمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لِئَلَّا يَتَغَطَّى أَمْرُهُ عَلَى مَنْ لَا يَخْبُرُهُ , فَيَظُنُّهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ فَيَحْتَجُّ بِخَبَرِهِ , وَالْإِخْبَارُ عَنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ إِذَا كَانَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَا يَكُونُ غِيبَةً وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الَّذِي

الصفحة 38