كتاب ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد

خلاف هذا فيما أعلم، وحسبك بتلميذه العالم الورع "الحميدي" الذي يقول في نسب أستاذه: "إن أصله من الفرس". (¬١)
أما عن أسبانيته التي يثبتها من جهة الأم، فليس هناك ما يثبت ذلك بالتأكيد. ولم أر أحدًا تعرض لها ممن ترجموا له، ولم يرد ذكرها على لسانه في كتابه طوق الحمامة الذي بين فيه الكثير من جوانب حياته، وقد انتظرنا منه أن يتعرض لها في أثناء كلامه على الحب وماهيته، إذ كيف يغيب عن ذهنه ذلك الحب الذي تكنه الأم بين جوانحها، وهو الوفي الذي يقول عن نفسه إنه جبل على طبيعتين إحداهما: "وفاء لا يشوبه تلون قد استوت فيه الحضرة، والغيب، والباطن، والظاهر، تولده الألفة التي لم تعزف بها نفسي عما دريته ولا "تتطلع إن عدم من صحبته". (¬٢)
ولكني لا أستبعد إسبانية أمه لإشارة منه في كتابه طوق الحمامة حين قال: "وعنى أخبرك أنى أحببت في صباى جارية لي شقراء الشعر فما استحسنت من ذلك الوقت سوداء الشعر، ولو أنه على الشمس أو على صورة الحسن نفسه وإني لأجد هذا في أصل تركيبي من ذلك الوقت لا تؤاتيني نفسي على سواه ولا تحب غيره البتة، وهذا العارض بعينه عرض لأبي رضي الله عنه وعلى ذلك جرى إلى أن وافاه أجله.
وأما جماعة خلفاء بنى مروان - رحمهم الله - ولاسيما ولد الناصر منهم فهم مجبولون على تفضيل الشقرة لا يختلف في ذلك مخهم مختلف، وقد رأيناهم ورأينا من رآهم من لدن دولة الناصر إلى الآن
---------------
(¬١) جذوة المقتبس للحميدي ص ٣٠٨.
(¬٢) طوق الحمامة في الألفة والألاف لابن حزم ص ٢٥٦.

الصفحة 24