كتاب ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد

الوزراء ثم هي أيضًا أم الوزير أبي محمد ثم العالم الأوحد البحر ذي العلوم والمعارف كما وصفه الذهبي (¬١).
ولقد كان كتاب ابن حزم "طوق الحمامة" مصدرًا لكثير من معرفة أحواله ولكنه لم يتعرض لذكر أمه، ولعل مرجع ذلك إلى أنه لم يعرفها معرفة واعية وأنها ماتت وهو في سن الطفولة، ولكن الظاهر أنها كانت أسبانية من ذوات الشعر الأشقر فلعله كان صورة في مخيلته فألفه وأحبه ولم يرق له سواه وقد أشرت إلى هذا من قبل. (¬٢)
ترعرم أبو محمد ربيب النعمة وقد حرص عليه والده فكلف النساء بتربيته وتعليمه يقول عن نفسه: "ولقد شاهدت النساء وعلمت من أسرارهن ما لا يكاد يعلم غيري، لأني ربيت في حجورهن ونشأت بين أيديهن، ولم أعرف غيرهن، ولا جالست الرجال إلا وأنا في حد الشباب وحين تفيّل (¬٣) وجهى، وهن علمننى القرآن ورويننى كثيرًا من الأشعار ودربنني في الخط ولم يكن وكدى (¬٤) وأعمال ذهني مذ أول فهمي وأنا في سن الطفولة جدًّا إلا تعرف أسبابهن والبحث عن أخبارهن، وتحصيل ذلك وأنا لا أنسى شيئًا مما أراه منهن، وأصل ذلك غيرة شديد طبعت عليها، وسوء ظن في جهتهن فطرت به فأشرفت من أسبابهن على غير قليل". (¬٥) عاش أبو محمد حياته الأولى
---------------
(¬١) سير النبلاء - جزء خاص بترجمة ابن حزم ص ٢١.
(¬٢) انظر ص ٢٤.
(¬٣) تفيل يقال تفيل النبات اكتهل، والشاب زاد، وفلان سمن، انظر لسان العرب جـ ١٤ ص ٥٠، والقاموس المحيط جـ ٤ ص ٣٣.
(¬٤) وكدى. مرادى وهمى. انظر لسان العرب جـ ٤ ص ٤٨٣. والقاموس جـ ١ ص ٣٤٦.
(¬٥) طوق الحمامة لابن حزم ص ١٤٠، ١٤١، وانظر أخبار وتراجم أندلسية مستخرجة من معجم السفر للسلفى ص ٥٢، ٥٣.

الصفحة 35