كتاب ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد

بين الجوارى في قصر والده لا يغادره ولا يتصل بغير مربياته منهن فقد أدرك مع صغر سنه أن والده جعل منهن رقيبات على حركاته داخل هذا القصر فكان لهذا الأثر الكبير في سلوكه من بعد.
ويحدد لنا أبو محمد حضوره مجلس المظفر بن أبي عامر وأنها أول مرة وصل إلى هذا المجلس وهو في الثالثة عشر من عمره يقول الحميدي: "وأخبرني أبو محمد علي بن الوزير أبي عمر أحمد بن سعيد بن حزم أنه سمع أبا العلا صاعد بن الحسن ينشد:
إليك حدوت ناجية الركاب ... محملة أماني كالهضاب
بين يدي المظفر في يوم عيد الفطر سنة ست وتسعين وثلاثمائة. قال أبو محمد: وهو أول يوم وصلت فيه إلى حضرة المظفر ولما رآني أستحسنها وأصغى إليها، كتبها لي بخطه وأنفذها إلى" (¬١). بدأ الوزير أحمد بن سعيد يصطحب ابنه محمد في المجالس العامة، ونرى كيف كان يتذوق الشعر مع صغر سنه مما جعل صاعد بن الحسن يكتب له القصيدة التي ألقاها بين يدي المظفر.
ثم إن والده كان حريصًا على تربيته وتنشئته، فبعد أن تعلم القرآن وحفظ كثيرًا من الأشعار وجهه إلى صحبة رجل مستقيم النفس والخلق فكان لهذه الصحبة الأثر القوي في سلوكه وعفته، يقول عن نفسه أثناء كلامه عن قبح المعاصي: "ومع هذا يعلم الله وكفى به عليما أنى برىء الساحة، سليم الأديم صحيح البشرة، نقى الحجرة، وأنى أقسم بالله أجل الأقسام أنى ما حللت مئزرى على فرج حرام قط، ولا يحاسبني ربي بكبيرة ألزنا مذ عقلت إلى يومي
---------------
(¬١) جذوة المقتبس للحميدى ص ٢٤١.

الصفحة 36